لَا تَرْجِعُوا الْقَهْقَرَى مُرْتَدِّينَ ﴿عَلَى أَدْبَارِكُمْ﴾ [المائدة: ٢١] يَعْنِي: " إِلَى وَرَائِكُمْ، وَلَكِنِ امْضُوا قُدُمًا لِأَمْرِ اللَّهِ الَّذِي أَمَرَكُمْ بِهِ مِنَ الدُّخُولِ عَلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِقِتَالِهِمْ وَالْهُجُومِ عَلَيْهِمْ فِي أَرْضِهِمْ، وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ قَدْ كَتَبَهَا لَكُمْ مَسْكَنًا وَقَرَارًا. وَيَعْنِي بَقَوْلِهِ: ﴿فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٩] أَنَّكُمْ تَنْصَرِفُوا خَائِبِينَ هَكَذَا، وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْخُسَارَةِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ بِشَوَاهِدِهِ الْمُغْنِيَةِ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا كَانَ وَجْهُ قِيلِ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِذْ أَمَرَهُمْ بِدُخُولِ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ لَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ؟ أَوْ يَسْتَوْجِبُ الْخَسَارَةَ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ أَرْضًا جُعِلَتْ لَهُ؟ قِيلَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ كَانَ أَمَرَهُ بِقِتَالِ مَنْ فِيهَا مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ بِهِ وَفَرَضَ عَلَيْهِمْ دُخُولَهَا، فَاسْتَوْجَبَ الْقَوْمُ الْخَسَارَةَ بِتَرْكِهِمْ. إِذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا تَضْيِيعُ فَرْضِ الْجِهَادِ الَّذِي كَانَ اللَّهُ فَرَضَهُ عَلَيْهِمْ. وَالثَّانِي: خِلَافُهُمْ أَمْرَ اللَّهِ فِي تَرْكِهِمْ دُخُولَ الْأَرْضِ، وَقَوْلُهُمْ لِنَبِيِّهِمْ مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ قَالَ لَهُمُ: ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ: ﴿إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ﴾ [المائدة: ٢٢]
كَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي ذَلِكَ بِمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [المائدة: ٢١] أُمِرُوا بِهَا -[٢٨٩]- كَمَا أُمِرُوا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ "


الصفحة التالية
Icon