الْقُرْآنِ فِي كُلِّ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ بِهِ فَرْضًا مِنْهَا فِي سَائِرِ الْقُرْآنِ بِمَعْنَى التَّخْيِيرِ، فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي آيَةِ الْمُحَارِبِينَ الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِيمَا رَأَى الْحُكْمَ بِهِ عَلَى الْمُحَارِبِ إِذَا قَدَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّوْبَةِ. وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا تَأْوِيلُ مَنْ أَوْجَبَ عَلَى الْمُحَارِبِ مِنَ الْعُقُوبَةِ عَلَى قَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِ وَجَعَلَ الْحُكْمَ عَلَى الْمُحَارِبِينَ مُخْتَلِفًا بِاخْتِلَافِ أَفْعَالِهِمْ، فَأَوْجَبَ عَلَى مُخِيفِ السَّبِيلِ مِنْهُمْ إِذَا قُدِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّوْبَةِ وَقَبْلَ أَخْذِ مَالٍ أَوْ قَتْلٍ: النَّفْيَ مِنَ الْأَرْضِ؛ وَإِذَا قُدِرَ عَلَيْهِ بَعْدَ أَخْذِ الْمَالِ وَقَتْلِ النَّفْسِ الْمُحَرَّمُ قَتْلُهَا: الصَّلْبُ؛ لِمَا ذَكَرْتُ مِنَ الْعِلَّةِ قَبْلُ لِقَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ. فَأَمَّا مَا اعْتَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ: إِنَّ الْإِمَامَ فِيهِ بِالْخِيَارِ مِنْ أَنَّ أَوْ فِي الْعَطْفِ تَأْتِي بِمَعْنَى التَّخْيِيرِ فِي الْفَرْضِ، فَنَقُولُ: لَا مَعْنَى لَهُ، لِأَنَّ أَوْ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ قَدْ تَأْتِي بِضُرُوبٍ مِنَ الْمَعَانِي لَوْلَا كَرَاهَةُ إِطَالَةِ الْكِتَابِ بِذِكْرِهَا لَذَكَرْتُهَا، وَقَدْ بَيَّنْتُ كَثِيرًا مِنْ مَعَانِيهَا فِيمَا مَضَى وَسَنَأْتِي عَلَى بَاقِيهَا فِيمَا يُسْتَقْبَلُ فِي أَمَاكِنِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَأَمَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَإِنَّ مَعْنَاهَا: التَّعْقِيبُ، وَذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِ الْقَائِلِ: إِنَّ جَزَاءَ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يُدْخِلَهُمُ الْجَنَّةَ، أَوْ يَرْفَعَ مَنَازِلَهُمْ فِي عِلِّيِّينَ، أَوْ يُسْكِنَهُمْ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ وَالصِّدِّيقِينَ. فَمَعْلُومٌ أَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ غَيْرُ قَاصِدٍ بِقِيلِهِ إِلَى أَنَّ جَزَاءَ كُلِّ مُؤْمِنٍ آمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَهُوَ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْمَرَاتِبِ وَمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْمَنَازِلِ بِإِيمَانِهِ، بَلِ الْمَعْقُولُ عَنْهُ أَنَّ مَعْنَاهُ: أَنَّ جَزَاءَ الْمُؤْمِنِ لَمْ يَخْلُو عِنْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْضِ هَذِهِ الْمَنَازِلِ، فَالْمُقْتَصِدُ مَنْزِلَتُهُ دُونَ مَنْزِلَةِ السَّابِقِ بِالْخَيْرَاتِ، وَالسَّابِقُ بِالْخَيْرَاتِ أَعْلَى مِنْهُ مَنْزِلَةً، وَالظَّالِمُ لِنَفْسِهِ دُونَهُمَا، وَكُلٌّ فِي الْجَنَّةِ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ


الصفحة التالية
Icon