قالوا: لا، قال ألستم تعلمون أن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، فهل يعلم عيسى شيئاً من ذلك إِلا ما علم؟ قالوا: لا، قال ألستم تعلمون أن ربنا لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب ولا يحدث الحدث وأن عيسى كان يطعم الطعام ويشرب الشراب ويحدث الحدث} ! قالوا بلى فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فكيف يكون كما زعمتم؟ فسكتوا وأبوا إِلا الجحود فأنزل الله من أول السورة إِلى نيفٍ وثمانين آية.
التفِسير: ﴿الم﴾ إِشارة إِلى إِعجاز القرآن وأنه منظوم من أمثال هذه الحروف الهجائية وقد تقدّم في أول البقرة ﴿الله لا إله إِلاَّ هُوَ﴾ أي لا ربَّ سواه ولا معبود بحقٍ غيره ﴿الحي القيوم﴾ أي الباقي الدائم الذي لا يموت، القائم على تدبير شئون عباده ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الكتاب بالحق﴾ أي نزّل عليك يا محمد القرآن بالحجج والبراهين القاطعة ﴿مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ أي من الكتب المنزّلة قبله المطابقة لما جاء به القرآن ﴿وَأَنزَلَ التوراة والإنجيل مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ﴾ أي أنزل الكتابين العظيمين «التوراة» و «الإِنجيل» من قبل إِنزال هذا القرآن هداية لبني إِسرائيل ﴿وَأَنزَلَ الفرقان﴾ أي جني الكتب السماوية لأنها تفرق بين الحق والباطل، والهدى والضلال، وقيل: المراد بالفرقان القرآن وكرّر تعظيماً لشأنه ﴿إِنَّ الذين كَفَرُواْ بِآيَاتِ الله﴾ أي جحدوا بها وأنكروها وردّوها بالباطل ﴿لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ أي عظيم أليم في الآخرة ﴿والله عَزِيزٌ ذُو انتقام﴾ أي غالب على أمره لا يُغلب، منتقم ممن عصاه ﴿إِنَّ الله لاَ يخفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأرض وَلاَ فِي السمآء﴾ أي لا يغيب ولا يغرب عن علمه أمرٌ من الأمور، فهو مطلع على كل ما في الكون لا تخفى عليه خافية ﴿هُوَ الذي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأرحام كَيْفَ يَشَآءُ﴾ أي يخلقكم في أرحام أمهاتكم كما يشاء من ذكرٍ وأنثى، وحسن وقبيح ﴿لاَ إله إِلاَّ هُوَ العزيز الحكيم﴾ أي لا ربّ سواه، متفردٌ بالوحدانية والألوهية، العزيز في ملكه الحكيم في صنعه، وفي الآية ردٌّ على النصارى حيث ادعوا ألوهية عيسى فنبّه تعالى بكونه مصوّراً في الرحم، وأنه لا يعلم الغيب على أنه عبد كغيره من العباد ﴿هُوَ الذي أَنزَلَ عَلَيْكَ الكتاب﴾ أي أنزل عليك يا محمد القرآن العظيم ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكتاب﴾ أي فيه آيات بينات واضحات الدلالة، لا التباس فيها ولا غموض كآيات الحلال والحرام، هنَّ أصل الكتاب وأساسه ﴿وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ أي وفيه آيات أُخَر فيها اشتباه في الدلالة على كثير من الناس، فمن ردّ المتشابه إِلى الواضح المحكم فقد اهتدى، وإِن عكس فقد ضلّ ولهذا قال تعالى ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ﴾ أي فأمّا من كان في قلبه ميلٌ عن الهدى إِلى الضلال فيتبع المتشابه منه ويفسّره على حسب هواه ﴿ابتغاء الفتنة وابتغاء تَأْوِيلِهِ﴾ أي طلباً لفتنة الناس في دينهم، وإِيهاماً للأتباع بأنهم يبتغون تفسير كلام الله، كما فعل النصارى الضالون حيث احتجوا بقوله تعالى في شأن عيسى
﴿وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ﴾ [النساء: ١٧١] على أن عيسى ابن الله أو هو جزء من الله فادعوا ألوهيته وتركوا المحكم وهو قوله تعالى ﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ﴾ [الزخرف: ٥٩] الدالّ على أنه عبد من عباد الله ورسوله من رسله ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله﴾