أي لا يعلم تفسير المتشابه ومعناه الحقيقي إِلا الله وحده ﴿والراسخون فِي العلم يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ﴾ أي الثابتون المتمكنون من العلم يؤمنون بالمتشابه وأنه من عند الله ﴿كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا﴾ أي كلّ من المتشابه والمحكم حقٌ وصدق لأنه كلام الله، قال تعالى ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألباب﴾ أي ما يتعظ ويتدبر إِلا أصحاب العقول السليمة المستنيرة ﴿رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا﴾ أي لا تُمِلْها عن الحق ولا تضلنا ﴿بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا﴾ أي بعد أن هديتنا إِلى دينك القويم وشرعك المستقيم ﴿وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً﴾ أي امنحنا من فضلك وكرمك رحمةً تثبتنا بها على دينك الحق ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الوهاب﴾ أي أنت يا رب المتفضل على عبادك بالعطاء والإِحسان ﴿رَبَّنَآ إِنَّكَ جَامِعُ الناس لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ﴾ أي جامع الخلائق في ذلك اليوم الرهيب «يوم الحساب» الذي لا شك فيه ﴿إِنَّ الله لاَ يُخْلِفُ الميعاد﴾ أي وعدك حق وأنت يا رب لا تخلف الموعد، كقوله تعالى
﴿الله لا إله إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إلى يَوْمِ القيامة لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله حَدِيثاً﴾ [النساء: ٨٧] ؟!
البَلاَغَة: ١ - ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الكتاب﴾ عبّر عن القرآن بالكتاب الذي هو اسم جنس إِيذاناً بكمال تفوقه على بقية الكتب السماوية كأنه هو الحقيق بأن يطلق عليه اسم الكتاب.
٢ - ﴿لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ كناية عمّا تقدمه وسبقه من الكتب السماوية فسمى ما مضى بين يديه لغاية ظهوره واشتهاره.
٣ - ﴿وَأَنزَلَ الفرقان﴾ أي أنزل سائر ما يفرق بين الحق والباطل فهو من باب عطف العام على الخاص حيث ذكر أولاً الكتب الثلاثة ثم عمَّ الكتب كلها لإِفادة الشمول مع العناية بالخاص.
٤ - ﴿هُنَّ أُمُّ الكتاب﴾ قال الشريف الرضي: هذه استعارة والمراد بها أن هذه الآيات جماع الكتاب وأصله فهي بمنزلة الأم له، وكأنَّ سائر القرآن يتبعها أو يتعلق بها كما يتعلق الولد بأمه ويفزع إِليها في مهمة.
٥ - ﴿والراسخون فِي العلم﴾ وهذه استعارة المراد بها المتمكنون في العلم تشبيهاً برسوخ الشيء الثقيل في الأرض الوُّارة وهو أبلغ من قوله والثابتون في العلم.
الفوَائِد: الأولى: روى مسلم عن عائشة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ تلا ﴿والراسخون فِي العلم﴾ الآية ثم قال: «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمّاهم الله فاحذروهم».
الثانية: قال القرطبي: أحسن ما قيل في المتشابه والمحكم: أنَّ المحكم ما عُرف تأويله وفهم معناه وتفسيره، والمتشابه ما استأثر الله تعالى بعلمه دون خلقه ولم يكن لأحدٍ إِلى علمه سبيل، قال بعضهم: وذلك مثل وقت قيام الساعة، وخروج يأجوج ومأجوج، وخروج الدجال، وعيسى، ونحو الحروف المقطعة في أوائل السور.


الصفحة التالية
Icon