والنصارى هلموا إِلى كلمة عادلة مستقيمة فيها إِنصاف من بعضنا لبعض ﴿أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ الله وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً﴾ أي أن نفرد الله وحده بالعبادة ولا نجعل له شريكاً ﴿وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ الله﴾ أي لا يعبد بعضنا بعضاً كما عبد اليهود والنصارى عزيراً وعيسى، وأطاعوا الأحبار والرهبان فيما أحلوا لهم وحرّموا، روي أن الآية لمّا نزلت قال عدي بن حاتم ما كنا نعبدهم يا رسول الله، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أما كانوا يحلّون لكم ويحرّمون فتأخذون بقولهم؟ فقال: نعم فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ﴿فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشهدوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ أي فإِن أعرضوا عن التوحيد ورفضوا قبول تلك الدعوة العادلة فقولوا أنتم اشهدوا يا معشر أهل الكتاب بأننا موحّدون مسلمون، مقرّون لله بالوحدانية مخلصون له العبادة ﴿ياأهل الكتاب لِمَ تُحَآجُّونَ في إِبْرَاهِيمَ﴾ أي يا معشر اليهود والنصارى لم تجادلون وتنازعون في إِبراهيم وتزعمون أنه على دينكم ﴿وَمَآ أُنزِلَتِ التوراة والإنجيل إِلاَّ مِن بَعْدِهِ﴾ أي والحال أنه ما حدثت هذه الأديان إِلا من بعده بقرونٍ كثيرة فكيف يكون من أهلها؟ ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ بطلان قولكم؟ فقد كان بين إِبراهيم وموسى ألف سنة، وبين موسى وعيسى ألفا سنة فكيف يقول بذلك عاقل؟ والاستفهام للتوبيخ ﴿هاأنتم هؤلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ﴾ أي ها أنتم يا معشر اليهود والنصارى جادلتم وخاصمتم في شأن عيسى وقد عشتم زمانه فزعمتم ما زعمتموه ﴿فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾ أي فلم تخاصمون وتجادلون في شأن إِبراهيم ودينه وتنسبونه إِلى اليهودية أو النصرانية بدون علم؟ أفليست هذه سفاهة وحماقة؟ ﴿والله يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ أي والله يعلم الحقَّ من أمر إِبراهيم وأنتم لا تعلمون ذلك، قال أبو حيان: «وهذا استدعاء لهم أن يسمعوا كما تقول لمن تخبره بشيء لا يعلمه: اسمع فإِني أعلم ما لا تعلم» ثم أكذبهم الله تعالى في دعوى إِبراهيم فقال ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً﴾ أي ما كان إِبراهيم على دين اليهودية ولا على دين النصرانية، فإِن اليهودية ملة محرّفة عن شرع موسى، وكذلك النصرانية ملة محرفة عن شرع عيسى ﴿وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً﴾ أي مائلاً عن الأديان كلها إِلى الدين القيم ﴿وَمَا كَانَ مِنَ المشركين﴾ أي كان مسلماً ولم يكن مشركاً، وفيه تعريض بأنهم مشركون في قولهم عزير بن الله، والمسيح بن الله، وردًّ لدعوى المشركين أنهم على ملة إِبراهيم ﴿إِنَّ أَوْلَى الناس بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتبعوه﴾ أي أحق الناس بالانتساب إِلى إِبراهيم أتباعه الذين سلكوا طريقه ومنهاجه في عصره وبعده ﴿وهذا النبي﴾ أي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ﴿والذين آمَنُواْ﴾ أي المؤمنون من أمة محمد فهم الجديرون بأن يقولوا نحن على دينه لا أنتم ﴿والله وَلِيُّ المؤمنين﴾ أي حافظهم وناصرهم.
. ولما دعا اليهود بعض الصحابة إِلى اليهودية نزل قوله ﴿وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الكتاب لَوْ يُضِلُّونَكُمْ﴾ أي تمنَّوا إِضلالكم بالرجوع إِلى دينهم حسداً وبغياً ﴿وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ﴾ أي لا يعود وبال ذلك إِلا عليهم إِذ يُضاعف به عذابهم ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ أي ما يفطنون لذلك، ثم وبّخهم القرآن على فعلهم القبيح فقال ﴿ياأهل الكتاب لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله﴾ أي بالقرآن المنزل على محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ﴿وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ أي تعلمون أنه حق ﴿ياأهل الكتاب لِمَ تَلْبِسُونَ الحق بالباطل﴾ أي لم تخلطون بين الحق والباطل بإلقاء الشُّبَه والتحريف والتبديل؟ ﴿وَتَكْتُمُونَ الحق وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أي


الصفحة التالية
Icon