الكتاب} أي أن تطيعوا طائفة من أهل الكتاب ﴿يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ﴾ أي يصيرّوكم كافرين بعد أن هداكم الله للإِيمان، والخطاب للأوس والخزرج إذ كان اليهود يريدون فتنتهم كما في سبب النزول واللفظ في الآية عام ﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تتلى عَلَيْكُمْ آيَاتُ الله وَفِيكُمْ رَسُولُهُ﴾ إنكار واستبعاد أي كيف يتطرق إليكم الكفر والحال أن آيات الله لا تزال تتنزّل عليكم والوحي لم ينقطع ورسول الله حيٌ بين أظهركم؟ ﴿وَمَن يَعْتَصِم بالله فَقَدْ هُدِيَ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ أي من يتمسك بدينه الحق الذي بيَّنه بآياته على لسان رسوله فقد اهتدى إلى أقوم طريق، وهي الطريق الموصلة إلى جنات النعيم ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله﴾ أي اتقوا الله تقوى حقة أو حق تقواه قال ابن مسعود: «هو أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر» والمراد بالآية ﴿حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ أي كما أن يتقى وذلك باجتناب جميع معاصيه ﴿وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ أي تمسكوا بالإِسلام وعضوا عليه بالنواجذ حتى يدرككم الموت وأنتم على تلك الحالة فتموتون على الإِسلام والمقصود الأمر بالإِقامة على الإِسلام ﴿واعتصموا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾ أي تمسكوا بدين الله وكتابه جميعاً ولا تتفرقوا عنه ولا تختلفوا في الدين كما اختلف من قبلكم من اليهود والنصارى ﴿واذكروا نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ﴾ أي اذكروا إنعامه عليكم يا معشر العرب ﴿إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً﴾ أي حين كنتم قبل الإسلام أعداء الداءً فألف بين قلوبكم بالإِسلام وجمعكم على الإِيمان ﴿وَكُنْتُمْ على شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النار فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا﴾ أي وكنتم مشرفين على الوقوع في نارجهنم فأنقذكم الله منها بالإِسلام ﴿كذلك يُبَيِّنُ الله لَكُمْ آيَاتِهِ﴾ أي مثل ذلك البيان الواضح يبين الله لكم سائر الآيات ﴿لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ أي لكي تهتدوا بها إلى سعادة الدارين.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البلاغة نوجزها فيما يلي:
١ - ﴿قُلْ فَأْتُواْ بالتوراة﴾ الأمر للتبكيت والتوبيخ للدلالة على كمال القبح.
٢ - ﴿لَلَّذِي بِبَكَّةَ﴾ أي للبيت الذي ببكة وفي ترك الموصوف من التفخيم ما لا يخفى.
٣ - ﴿وَمَن كَفَرَ﴾ وضع هذا اللفظ «موضع ومن لم يحج» تأكيداً لوجوبه وتشديداص على تاركه قال أبو السعود: «ولقد حازت الآية الكريمة من فنون الاعتبارات ما لا مزيد عليه وهي قوله ﴿وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت﴾ حيث أوثرت صيغة الخبر الدالة على التحقيق وأبرزت في صورة الجملة الإِسمية الدالة على الثبات والاستمرار، على وجه يفيد أنه حق واجب لله سبحانه في ذمم الناس، وسلك بهم مسلك التعميم ثم التخصيص، والإِبهام ثم التبيين، والإِجمال ثم التفصيل»
٤ - ﴿واعتصموا بِحَبْلِ الله﴾ شبّه القرآن بالحبل واستعير اسم المشبه به وهو الحبل للمشبه وهو القرآن على سبيل الاستعارة التصريحية والجامع بينهما النجاةُ في كلٍ.
٥ - ﴿شَفَا حُفْرَةٍ﴾ شبه حالهم الذي كانوا عليه بالجاهلية بحال من كان مشرفاً على حفرة عميقة وهوّة سحيقة ففيه استعارة تمثيلية والله أعلم.