المنَاسَبَة: لما حث تعالى على الصبر والتقوى ونبه المؤمنين إِلى إِمداد الله لهم بالملائكة في غزوة بدر، عقّبه بالأمر بالمسارعة إِلى نيل رضوان الله، ثم ذكر بالتفصيل غزوة أُحد وما نال المؤمنين فيها من الهزيمة بعد النصر بسبب مخالفة أمر الرسول، ثم بيّن أن الابتلاء سنة الحياة، وأن قتل الأنبياء لا ينبغي أن يُدخل الوهن إِلى قلوب المؤمنين، ثم توالت الآيات الكريمة في بيان الدروس والعبر من غزوة أُحد.
اللغَة: ﴿وسارعوا﴾ بادروا ﴿السَّرَّآءِ﴾ الرخاء ﴿الضرآء﴾ الشدة والضيق ﴿الكاظمين﴾ كظم الغيظ: ردّه في الجوف يقال: كظم غيظه أي لم يظهره مع قدرته على إِيقاعه بالعدو مأخوذ من كظم القربة إِذا ملأها وشد رأسها ﴿فَاحِشَةً﴾ الفاحشة: العمل الذي تناهى في القبح ﴿خَلَتْ﴾ مضت ﴿سُنَنٌ﴾ السنن: جمع سنة وهي الطريقة التي يقتدى بها ونها سنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والمراد بها هنا الوقائع التي حصلت للمكذبين ﴿قَرْحٌ﴾ جرح بالفتح والضم قال الفراء: هو بالفتح الجرح وبالضم ألَمه، وأصل الكلمة الخلوص ومنه ماء قُراح ﴿نُدَاوِلُهَا﴾ نصرّفها والمداولة: نقل الشيء من واحد إِلى آخر يقال: تداولته الأيدي إذا انتقل من شخص إلى شخص ﴿وَلِيُمَحِّصَ﴾ التمحيص: التخليص يقال: محصته إذا خلَّصته من كل عيب وأصله في اللغة: التنقية والإِزالة ﴿وَيَمْحَقَ﴾ المحق: نقص الشيء قليلاً قليلاً ﴿أَعْقَابِكُمْ﴾ جمع عقب وهو مؤخر الرجل يقال: انقلب على عقبه أي رجع إِلى ما كان عليه ﴿مُّؤَجَّلاً﴾ له وقت محدّد لا يتقدم ولا يتأخر ﴿وَكَأَيِّن﴾ كم وهي للتكثير وأصلها أي دخلت عليها كاف التشبيه فأصبح معناها التكثير ﴿رِبِّيُّونَ﴾ جمع ربِّي نسبة إِلى الربّ كالربانيين وهم العلماء الأتقياء العابدون لربهم وقيل: نسبة إِلى الربّة وهي الجماعة ﴿استكانوا﴾ خضعوا وذلّوا وأصله من السكون لأن الخاضع يسكن لصاحبه ليصنع به ما يريد.
التفسِير: ﴿وسارعوا إلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ أي بادروا إِلى ما يوجب المغفرة بطاعة الله وامتثال أوامره ﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السماوات والأرض﴾ أي وإِلى جنة واسعة عرضها السماء والأرض كما قال في سورة «الحديد» ﴿عَرْضُهَا كَعَرْضِ السمآء والأرض﴾ [الآية: ٢١] والغرض بيان سعتها فإِذا كان هذا عرضها فما ظنك بطولها؟ ﴿أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ أي هيئت للمتقين لله ﴿الذين يُنفِقُونَ فِي السَّرَّآءِ والضرآء﴾ أي يبذلون أموالهم في اليسر والعسر، وفي الشدة والرخاء، ﴿والكاظمين الغيظ﴾ أي يمسكون غليظهم مع قدرتهم على الانتقام ﴿والعافين عَنِ الناس﴾ أي يعفون عمن أساء إِليهم وظلمهم ﴿والله يُحِبُّ المحسنين﴾ أي يحب المتصفين بتلك الأوصاف الجليلة وغيرها ﴿والذين إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً﴾ أي ارتكبوا ذنباً قبيحاً كالكبائر ﴿أَوْ ظلموا أَنْفُسَهُمْ﴾ بإِتيان أي ذنب {ذَكَرُواْ الله


الصفحة التالية
Icon