المنَاسَبَة: لا تزال الآيات تتحدث عن غزوة أُحد، فقد ذكر تعالى فيما سبق انهزام المسلمين وما أصيبوا به من غمّ واضطراب، وأرشدهم إِلى موطن الداء ووصف لهم الدواء، وفي هذه الآيات الكريمة اشادة بالقيادة الحكيمة، فمع مخالفة بعض الصحابة لأوامر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقد وسعهم عليه السلام بخلقه الكريم وقلبه الرحيم، ولم يخاطبهم بالغلظة والشدة وإِنما خاطبهم باللطف واللين، وذلك اجتمعت القلوب حول دعوته، وتوحّدت تحت قيادته، والآيات تتحدث عن أخلاق النبوة، وعن المنّة العظمى ببعثة الرسول الرحيم والقائد الحكيم وعن بقية الأحداث الهامة في تلك الغزوة.
اللغَة: ﴿فَظّاً﴾ الفظُّ: الغليظ الجافي قال الواحدي هو الغليظ سيئ الخلق قال الشاعر:

أخشى فظاظة عمٍّ أو جفاء أخٍ وكنتُ أخشى عليها من أذى الكلم
﴿غَلِيظَ القلب﴾ هو الذي لا يتأثر قلبه ولا يرقّ ومن ذلك قول الشاعر:
يُبكَى علينا ولا نبكي على أحدٍ؟ لنحن أغلظُ أكباداً من الإِبل
التفِسير: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ الله لِنتَ﴾ أي فبسبب رحمةٍ من الله أودعها الله في قلبك يا محمد كنت هيناً ليّن الجانب مع أصحابك مع أنهم خالفوا أمرك وعصوك ﴿لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ القلب لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ﴾ أي لو كنت جافي الطبع قاسي القلب، تعاملهم بالغلظة والجفا، لتفرقوا عنك ونفروا منك، ولمّا كانت الفظاظة في الكلام نفى الجفاء عن لسانه والقسوة عن قلبه ﴿فاعف عَنْهُمْ واستغفر لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر﴾ أي فتجاوز عما نالك من أذاهم يا محمد، واطلب لهم من الله المغفرة وشاورهم في جميع أمورك ليقتدي بك الناس قال الحسن «ما شاور قومٌ قط إلاّ هُدوا لأرشد أمورهم» وكان عليه السلام كثير المشاورة لأصحابه ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى الله﴾ أي إِذا عقدت قلبك على أمر بعد الاستشارة فاعتمد على الله وفوّض أمرك إِليه ﴿إِنَّ الله يُحِبُّ المتوكلين﴾ أي يحب المعتمدين عليه، المفوضين أمورهم إِليه ﴿إِن يَنصُرْكُمُ الله فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ﴾ أي إِن أراد الله نصركم فلا يمكن لأحدٍ أن يغلبكم ﴿وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الذي يَنصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ﴾ أي وإِن أراد خذلانكم وترك معونتكم فلا ناصر لكم، فمهما وقع لكم من النصر كيوم بدر أو من الخذلان كيوم أُحد بمشيئته سبحانه فالأمر كله لله، بيده العزة والنصرة والإِذلال والخذلان ﴿وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون﴾ أي وعلى الله وحده فليلجأ وليعتمد المؤمنون ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾ أي ما صحَّ ولا استقام ولا عقلاً لنبيٍّ من الأنبياء أن يخون في الغنيمة، والنفيُ هنا نفيٌ للشأن وهو أبلغ من نفي


الصفحة التالية
Icon