أبناءه وأحباءه فلم أعدَّ لكم نار جهنم على كفركم وافترائكم ﴿بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ﴾ أي أنتم بشر كسائر الناس وهو سبحانه الحاكم في جميع عباده ﴿يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ﴾ أي يغفر لمن شاء من عباده ويعذب من شاء لا اعتراض لحكمه ولا رادَّ لأمره ﴿وَللَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ المصير﴾ أي الجميع ملكه وتحت قهره وسلطانه وإِليه المرجع والمآب، ثم دعاهم إِلى الإِيمان بخاتم المرسلين فقال ﴿يَا أَهْلَ الكتاب قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ على فَتْرَةٍ مِّنَ الرسل﴾ أي يا معشر اليهود والنصارى لقد جاءكم محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يوضّح لكم شرائع الدين على انقطاع من الرسل ودروسٍ من الدين، وكانت الفترة بين عيسى ومحمد ومدتها خمسمائة وستون سنة لم يُبعث فيها رسول ﴿أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ﴾ أي لئلا تحتجوا وتقولوا: ما جاءنا من رسول يبشر بالخير وينذر من الشر ﴿فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ﴾ هو محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ﴿والله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ قال ابن جرير: أي قادرٌ على عقاب من عصاه وثواب من أطاعه، ثم ذكر تعالى ما عليه اليهود من العناد والجحود فقال ﴿وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ﴾ أي اذكر يا محمد حين قال موسى لبني إِسرائيل يا قوم تذكّروا نعمة الله العظمى عليكم واشكروه عليها ﴿إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَآءَ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً﴾ أي حين بعث فيكم الأنبياء يرشدونكم إِلى معالم الدين وجعلكم تعيشون كالملوك لا يغلبكم غالب بعد أن كنتم مملوكين لفرعون مقهورين فأنقذكم منه بإِغراقه قال البيضاوي: لم يُبعث في أمةٍ ما بعث في بني إِسرائيل من الأنبياء ﴿وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن العالمين﴾ أي من أنواع الإِنعام والإِكرام من فلق البحر وتظليل الغمام وإِنزال المنّ والسلوى ونحوها ﴿يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ﴾ قال البيضاوي: هي أرض بيت المقدس سميت بذلك لأنها كانت قرار الأنبياء ومسكن المؤمنين ومعنى ﴿الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ أي التي وعدكموها على لسان أبيكم اسرائيل وقضى أن تكون لكم ﴿وَلاَ تَرْتَدُّوا على أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾ أي ولا ترجعوا مدبرين خوفاً من الجبابرة قال في التسهيل: روي أنه لما أمرهم موسى بدخول الأرض المقدسة خافوا من الجبارين الذين فيها وهمّوا أن يرجعوا إِلى مصر ﴿قَالُوا ياموسى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ﴾ أي عظام الأجسام طوال القامة لا قدرة لنا على قتالهم وهم العمالقة من بقايا عاد ﴿وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حتى يَخْرُجُواْ مِنْهَا﴾ أي لن ندخلها حتى يسلّموها لنا من غير قتال ﴿فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ﴾ أي لا يمكننا الدخول ما داموا فيها فإِن خرجوا منها دخلناها ﴿قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الذين يَخَافُونَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمَا﴾ أي فلما جبنوا حرضهم رجلان من النقباء ممن يخاف أمر الله ويخشى عقابه وفيهما الصلاح واليقين ﴿ادخلوا عَلَيْهِمُ الباب فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ﴾ أي قالا لهم لا يهولنكم عِظَم أجسامهم، فأجسامهم عظيمة وقلوبهم ضعيفة فإِذا دخلتم عليهم باب المدينة غلبتموهم بإِذن الله ﴿وَعَلَى الله فتوكلوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ أي اعتمدوا على الله فإِنه ناصركم إِن كنتم حقاً مؤمنين ﴿قَالُواْ ياموسى إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَآ أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فاذهب أَنتَ وَرَبُّكَ فقاتلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ وهذا إِفراط في العصيان ومع


الصفحة التالية
Icon