وبأصحابه الدوائر، وأمر رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ألا يحزن لما يناله من أذى من أعداء الإِنسانية فالله سيعصمه من شرهم، وينجيه من مكرهم، ثم يذكر ما أنزل الله من أحكام نورانية في شريعة التوراة.
اللغَة: ﴿يَحْزُنكَ﴾ الحُزْن والحَزَن خلاف السرور ﴿السُّحْتِ﴾ الحرام: سمي بذلك لأنه يسحتُ الطاعات أي يذهبها ويستأصلها وأصل السحت: الهلاك قال تعالى ﴿فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ﴾ [طه: ٦١] أي يستأصلكم ويهلككم ﴿الأحبار﴾ جمع حَبْر وهو العالم مأخوذ من التحبير وهو التحسين ﴿وَقَفَّيْنَا﴾ أتبعنا ﴿مُهَيْمِناً﴾ المهيمين: الرقيب على الشيء الحافظ له، من هيمن عليه أي راقبه ويأتي بمعنى العالي والمرتفع على الشيء ﴿شِرْعَةً﴾ الشِّرعة: السُّنَّة والطريقة يقال: شرع لهم أي سنَّ لهم ﴿مِنْهَاجاً﴾ المنهاج: الطريق الواضح
سَبَبُ النّزول: عن البراء بن عازب قال: «مُرَّ على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بيهودي محمّماً مجلوداً فدعاهم فقال: هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قالوا نعم فدعا رجلاً من علمائهم فقال: أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قال: لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجده الرجم ولكنه كثر في أشرافنا فكنا إِذا أخذنا الشريف تركناه، وإِذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد فقلنا: تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع فاجتمعنا على التحميم والجلد مكان الرجم فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: اللهم إِني أول من أحيا أمرك إِذ أماتوه فأمر به فرجم» فأنزل الله ﴿ياأيها الرسول لاَ يَحْزُنكَ الذين يُسَارِعُونَ فِي الكفر﴾ إِلى قوله ﴿إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ﴾ يقولون: ائتوا محمداً فإِن أمركم فالتحميم والجلد فخذوه وإِن أفتاكم بالرجم فاحذروا.
التفِسير: ﴿ياأيها الرسول لاَ يَحْزُنكَ الذين يُسَارِعُونَ فِي الكفر﴾ الخطاب للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ على وجه التسلية أي لا تتأثر يا محمد ولا تحزن لصنيع الذين يتسابقون نحو الكفر ويقعون فيه بسرعة ﴿مِنَ الذين قالوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ﴾ أي من المنافقين الذين لا يُجاوز الإِيمان أفواههم يقولون بألسنتهم آمنا وقلوبهم كافرة ﴿وَمِنَ الذين هَادُواْ﴾ أي ومن اليهود ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ﴾ أي هم مبالغون في سماع الأكاذيب والأباطيل وفي قبول ما يفتريه أحبارهم من الكذب على الله وتحريف كتابه ﴿سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ﴾ أي مبالغون في قبول كلام قومٍ آخرين لم يحضروا مجلسك تكبراً وإِفراطاً في العداوة والبغضاء وهم يهود خيبر، والسماعون للكذب بنو قريظة ﴿يُحَرِّفُونَ الكلم مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ﴾ أي يُزيلونه ويُميلونه عن مواضعه بعد أن وضعه الله تعالى فيها والمراد تحريف أحكام الله وتغييرها بأحكام أخرى قال ابن عباس: هي حدود الله في التوراة غيروا الرجم بالجلد والتحميم - يعني تسويد الوجه - ﴿يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فاحذروا﴾ أي إِن أمركم محمد بالجلد فأقبلوا وإِن أمركم بالرجم فلا تقبلوا قال تعالى ردّاً عليهم ﴿وَمَن يُرِدِ الله فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ الله شَيْئاً﴾ أي ومن يرد الله كفره وضلالته فلن يقدر أحدٌ على دفع ذلك عنه ﴿أولئك الذين لَمْ يُرِدِ الله أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ﴾ أي لم يرد الله أن يطهرّ قلوبهم من رجس الكفر وخبث الضلالة لقبح


الصفحة التالية
Icon