صنيعهم وسوء اختيارهم ﴿لَهُمْ فِي الدنيا خِزْيٌ﴾ أي ذلٌ وفضيحة ﴿وَلَهُمْ فِي الآخرة عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ هو الخلود في نار جهنم قال أبو حيان: والآية جاءت تسلية للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وتخفيفاً عنه من ثقل حزنه على مسارعتهم في الكفر وقطعاً لرجائه من فلاحهم ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ﴾ أي الباطل كرره تأكيداً وتفخيماً ﴿أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ أي الحرام من الرشوة والربا وشبه ذلك ﴿فَإِن جَآءُوكَ فاحكم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ أي إِن تحاكموا إِليك يا محمد فيما شجر بينهم من الخصومات فأنت مخير بين أن تحكم بينهم وبين أن تُعرض عنهم قال ابن كثير: أي إِن جاءك يتحاكمون إِليك فلا عليك ألا تحكم بينهم لأنهم لا يقصدون بتحاكمهم إِليك اتباع الحق بل ما يوافق أهواءهم ﴿وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً﴾ أي لأن الله عاصمك وحافظك من الناس ﴿وَإِنْ حَكَمْتَ فاحكم بَيْنَهُمْ بالقسط إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين﴾ أي فاحكم بينهم بالعدل والحق وإِن كانا ظلمةً خارجين عن طريق العدل لأن الله يحب العادلين، ثم قال تعالى منكراً عليهم مخالفتهم لأحكام التوراة ﴿وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التوراة فِيهَا حُكْمُ الله﴾ أي كيف يحكّمك يا محمد هؤلاء اليهود ويرضون بحكمك وعندهم التوراة فيها حكم الله يرونه ولا يعملون به؟ قال الرازي: هذا تعجيبٌ من الله تعالى لنبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بتحكيم اليهود إِيّاه بعد علمهم بما في التوراة من حد الزاني ثم تركهم قبول ذلك الحكم، فعدلوا عما يعتقدونه حكماً حقاً إِلى ما يعتقدونه باطلاً طلباً للرخصة فظهر بذلك جهلهم وعنادهم ﴿ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذلك﴾ أي يعرضون عن حكمك الموافق لكتابهم بعد أن وضح لهم الحق وبان ﴿وَمَآ أولئك بالمؤمنين﴾ أي ليسوا بمؤمنين لأنهم لا يؤمنون بكتابهم «التوراة» لإِعراضهم عنه وعن حكمك الموافق لما فيه قال في التسهيل: وهذا إِلزامٌ لهم لأن من خالف كتاب الله وبدّله فدعواه الإِيمان باطلة، ثم مدح تعالى التوراة بأنها نور وضياء فقال ﴿إِنَّآ أَنزَلْنَا التوراة فِيهَا هُدًى وَنُورٌ﴾ أي أنزلنا التوراة على موسى فيها بيانٌ واضح ونور ساطع يكشف ما اشتبه من الأحكام ﴿يَحْكُمُ بِهَا النبيون الذين أَسْلَمُواْ﴾ أي يحكم بالتوراة أنبياء بني إِسرائيل الذين انقادوا لحكم الله ﴿لِلَّذِينَ هَادُواْ﴾ أي يحكمون بالتوراة لليهود لا يخرجون عن حكمها ولا يُبدّلونها ولا يُحرّفونها ﴿والربانيون والأحبار﴾ أي العلماء منهم والفقهاء ﴿بِمَا استحفظوا مِن كِتَابِ الله﴾ أي بسبب أمر الله إِياهم بحفظ كتابه من التحريف والتضييع ﴿وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَآءَ﴾ أي رقباء لئلا يُبدّل ويُغيرّ ﴿فَلاَ تَخْشَوُاْ الناس واخشون﴾ أي لا تخافوا يا علماء اليهود الناس في إِظهار ما عندكم من نعت محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والرجم بل خافوا مني في كتمان ذلك ﴿وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً﴾ أي ولا تستبدلوا بآياتي حطام الدنيا الفاني من الرشوة والجاه والعَرَض الخسيس ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ الله فأولئك هُمُ الكافرون﴾ أي من لم يحكم بشرع الله كائناً من كان فقد كفر وقال الزمخشري: ومن لم يحكم بما أنزل الله مستهيناً به فأولئك هم الكافرون والظالمون والفاسقون وصفٌ لهم بالعتوّ في كفرهم حين ظلموا آيات الله بالاستهزاء والاستهانة وتمرّدوا بأن حكموا بغيرها قال أبو حيان: والآية وإِن كان الظاهر من سياقها أن الخطاب فيها لليهود إِلا أنها عامة في