أي من يتولّ الله ورسوله والمؤمنين فإِنه من حزب الله وهم الغالبون القاهرون لأعدائهم ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الذين اتخذوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً﴾ أي لا تتخذوا أعداء الدين الذين يسخرون من دينكم ويهزءون ﴿مِّنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ والكفار أَوْلِيَآءَ﴾ أي من هؤلاء المستهزئين اليهود والنصارى وسائر الكفرة أولياء لكم تودّونهم وتحبونهم وهم أعداء لكم، فنم اتخذ دينكم سخرية لا يصح لكم أن تصادقوه أو توالوه بل يجب أن تبغضوه وتعادوه ﴿واتقوا الله إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ أي اتقوا الله في موالاة الكفار والفجار إِن كنتم مؤمنين حقاً، ثمَّ بيَن تعالى جانباً من استهزائهم فقال ﴿وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصلاة اتخذوها هُزُواً وَلَعِباً﴾ أي وإِذا أذنتم إِلى الصلاة ودعوتم إِليها سخروا منكم ومن صلاتكم قال في البحر: حسد اليهود الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حين سمعوا الأذان وقالوا: ابتدعت شيئاً لم يكن للأنبياء فمن أين لك الصياح كصياح العير فما أقبحه من صوت فأنزل الله هذه الآية نبّه تعالى على أنَّ من استهزأ بالصلاة ينبغي أن لا يُتّخذ ولياً بل يُهجر ويطرد، وهذه الآية جاءت بالتوكيد للآية قبلها ﴿ذلك بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ﴾ أي ذلك الفعل منهم بسبب أنهم فجرة لا يعقلون حكمة الصلاة ولا يدركون غايتها في تطهير النفوس، ونفى العقل عنهم لكونهم لم ينتفعوا به في أمر الدين وإِن كان لهم عقول يدركون بها مصالح الدنيا ﴿قُلْ ياأهل الكتاب هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ﴾ أي قل يا محمد: يا معشر اليهود والنصارى هل تعيبون علينا وتنكرون منا ﴿إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بالله وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ﴾ أي إِلا إِيماننا بالله وبما جاء به رسل الله قال ابن كثير: أي هل لكم علينا مطعنٌ أو عيبٌ إِلا هذا؟ وهذا ليس بعيبٍ ولا مذمة فيكون الاستثناء منقطعاً ﴿وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ﴾ أي خارجون عن الطريق المستقيم ﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذلك﴾ أي هل أخبركم بما هو شرٍّ من هذا الذي تعيبونه علينا؟ ﴿مَثُوبَةً عِندَ الله﴾ أي ثواباً وجزاءً ثابتاً عند الله قال في التسهيل: ووضع الثوابَ موضع العقاب تهكماً بهم نحو قوله
﴿فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [آل عمران: ٢١] ﴿مَن لَّعَنَهُ الله﴾ أي طرده من رحمته ﴿وَغَضِبَ عَلَيْهِ﴾ أي سخط عليه بكفره وانهماكه في المعاصي بعد وضوح الآيات ﴿وَجَعَلَ مِنْهُمُ القردة والخنازير﴾ أي ومسخ بعضَهم قردةً وخنازير ﴿وَعَبَدَ الطاغوت﴾ أي وجعل منهم من عَبَد الشيطان بطاعته ﴿أولئك شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ السبيل﴾ أي هؤلاء الملعونون الموصوفون بتلك القبائح والفضائح شرٌّ مكاناً في الآخرة وأكثر ضلالاً عن الطريق المستقيم قال ابن كثير والمعنى: يا أهل الكتاب الطاعنين في ديننا الذي هو توحيد الله وإِفراده بالعبادة دون ما سواه كيف يصدر منكم هذا وأنتم قد وجد منكم جمع ما ذكر؟ قال القرطبي: ولما نزلت هذه الآية قال المسلمون لهم: يا إِخوة القردة والخنازير فنكّسوا رءوسهم افتضاحاً وفيهم يقول الشاعر:
فلعنة الله على اليهود | إِن اليهود إِخوةُ القرود |