﴿وَإِذَا جَآءُوكُمْ قالوا آمَنَّا﴾ الضمير يعود إِلى المنافقين من اليهود أي إِذا جاءوكم أظهروا الإِسلام ﴿وَقَدْ دَّخَلُواْ بالكفر وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ﴾ أي والحال قد دخلوا إِليك كفاراً وخرجوا كفاراً لم ينتفعوا بما سمعوا منك يا محمد من العلم، ولا نجعت فيهم المواعظ والزواجر ﴿والله أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ﴾ أي من كفرهم ونفاقهم وفيه وعيد شديدٌ لهم ﴿وترى كَثِيراً مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإثم والعدوان﴾ أي وترى كثيراً من اليهود يسابقون في المعاصي والظلم ﴿وَأَكْلِهِمُ السحت﴾ أي أكلهم الحرام ﴿لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ أي بئس أعمالهم القبيحة تلك الأخلاق الشنيعة ﴿لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الربانيون والأحبار﴾ أي هلاّ يزجرهم علماؤهم وأحبارهم ﴿عَن قَوْلِهِمُ الإثم وَأَكْلِهِمُ السحت﴾ أي عن المعاصي والآثام وأكل الحرام ﴿لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ﴾ أي بئس صنيعهم ذلك تركهم النهي عن ارتكاب محارم الله قال ابن عباس: ما في القرآن آية أشد توبيخاً من هذه الآية - يعني على العلماء - وقال أبو حيان: تضمنت هذه الآية توبيخ العلماء والعبَّاد على سكوتهم عن النهي عن معاصي الله وأنشد ابن المبارك:

وهلْ أفسَد الدِّينَ إِلا الملو كُ وأحبارُ سَوْءٍ ورهبانها
﴿وَقَالَتِ اليهود يَدُ الله مَغْلُولَةٌ﴾ أي قال اليهود اللعناء إِن الله بخيلٌ يقتّر الرزق على العباد قال ابن عباس: مغلولة أي بخيلة أمسك ما عنده بخلاً ليس يعنون أن يد الله موثقة ولكنهم يقولون إِنه بخيل ﴿غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ﴾ دعاءٌ عليهم بالبخل المذموم والفقر والنكد ﴿وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ﴾ أي أبعدهم الله من رحمته بسبب تلك المقالة الشنيعة ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ﴾ أي بل هو جواد كريم سابغٍ الإِنعام يرزق ويعطي كما يشاء قال أبو السعود: وتضييق الرزق ليس لقصورٍ في فيضه بل لأن إِنفاقه تابع لمشيئته المبنيّة على الحِكَم وقد اقتضت الحكمة بسبب ما فيهم من شؤم المعاصي أن يضيّق عليهم ﴿وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً﴾ أي وليزيدنَّهم هذا القرآن الذي أُنزل عليك يا محمد كفراً فوق كفرهم وطغياناً فوق طغيانهم إِذ كلّما نزلت آية كفروا بها فيزداد طغيانهم وكفرهم كما أن الطعام للأصحاء يزيد المرضى مرضاً قال الطبري: أعلم تعالى نبيّه أنهم أهل عتو وتمرّد على ربهم وأنهم لا يذعنون الحقٍّ وإِن علموا صحته ولكنهم يعاندونه يسلِّي بذلك نبيَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في ذهابهم عن الله وتكذيبهم إِيّاه ﴿وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ العداوة والبغضآء إلى يَوْمِ القيامة﴾ أي ألقينا بين اليهود العداوة والبغضاء فكلمتهم مختلفة وقلوبهم شتّى لا يزالون متباغضين متعادين إِلى قيام الساعة ﴿كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا الله﴾ أي كلما أرادوا إِشعال حربٍ على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أطفأها الله ﴿وَيَسْعَوْنَ فِي الأرض فَسَاداً﴾ أي يجتهدون في الكيد للإِسلام وأهله ويسعون لإِثارة الفتن بين المسلمين قال ابن كثير: أي من سجيتهم أنهم دائماً يسعون في الإِفساد في الأرض ﴿والله لاَ يُحِبُّ المفسدين﴾ أي لا يحب من كانت هذه صفته ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الكتاب آمَنُواْ واتقوا﴾ أي لو أن


الصفحة التالية
Icon