واحفظوا أَيْمَانَكُمْ} أي احفظوها عن الابتذال ولا تحلفوا إِلا لضرورة قال ابن عباس: أي لا تحلفوا وقال ابن جرير: أي لا تتركوها بغير تكفير ﴿كذلك يُبَيِّنُ الله لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ أي مثل ذلك التبيين يبيّن الله لكم الأحكام الشرعية ويوضحها لتشكروه على هدايته وتوفيقه لكم ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ إِنَّمَا الخمر والميسر﴾ قال ابن عباس: الخمر جمع الأشربة التي تُسكر، والميسرُ القمار كانوا يتقامرون به في الجاهلية ﴿والأنصاب والأزلام﴾ أي الأصنام المنصوبة للعبادة والأقداح التي كانت عند سدنة البيت وخُدّام الأصنام قال ابن عباس ومجاهد: الأنصاب حجارةٌ كانوا يذبحون قرابينهم عندها والأزلام: قداحٌ كانوا يستقسمون بها ﴿رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشيطان﴾ أي قذر ونجسٌ تعافه العقول، وخبيثٌ مستقذر من تزيين الشيطان ﴿فاجتنبوه لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ أي اتركوه وكونوا في جانب آخر بعيدين عن هذه القاذورات لتفوزوا بالثواب العظيم ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشيطان أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العداوة والبغضآء فِي الخمر والميسر﴾ أي ما يريد الشيطان بهذه الرذائل إِلا إِيقاع العداوة والبغضاء بين المؤمنين في شربهم الخمر ولعبهم بالقمار ﴿وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ الله وَعَنِ الصلاة﴾ أي ويمنعكم بالخمر والميسر عن ذكر الله الذي به صلاح دنياكم وآخرتكم وعن الصلاة التي هي عماد دينكم قال أبو حيان: ذكر تعالى في الخمر والميسر مفسدتين: إِحداهما دنيوية، والأخرى دينية، فأما الدنيوية فإِن الخمر تثير الشرور والأحقاد وتئول بشاربها إِلى التقاطع، وأما الميسر فإِن الرجل لا يزال يقامر حتى يبقى سليباً لا شيء له وينتهي إِلى أن يقامر حتى على أهله وولده، وأما الدينية فالخمر لغلبة السرور والطرب بها تُلهي عن ذكر الله وعن الصلاة، والميسر - سواء كان غالباً أو مغلوباً - يلهي عن ذكر الله ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ﴾ الصيغة للاستفهام ومعناه الأمر أي انتهوا ولذلك قال عمر: انتهينا ربّنا انتهينا قال في البحر: وهذا الاستفهام من أبلغ ما يُنهى به كأنه قيل: قد تُلي عليكم ما فيهما من المفاسد التي توجب الانتهاء فهل أنتم منتهون أم باقون على حالكم؟ ﴿وَأَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول واحذروا﴾ أي أطيعوا أمر الله وأمر سوله واحذروا مخالفتهما ﴿فَإِن تَوَلَّيْتُمْ﴾ أي أعرضتم ولم تعملوا بأمر الله ورسوله ﴿فاعلموا أَنَّمَا على رَسُولِنَا البلاغ المبين﴾ أي ليس عليه هدايتكم وإِنما عليكم تبليغكم الرسالة وجزاؤكم علينا قال الطبري: وهذا من الله وعيدٌ لمن تولى عن أمره ونهيه يقول تعالى ذكره لهم: فإِن توليتم عن أمري ونهي فتوقعوا عقابي واحذروا سخطي وقال أبو حيان: وفي هذا من الوعيد البالغ ما لا خفاء به إِذ تضمّن أن عقابكم إِنما يتولاه المرسِلُ لا الرسول ﴿لَيْسَ عَلَى الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جُنَاحٌ فِيمَا طعموا﴾ قال الإِثم والذمّ إِنما يتعلق بفعل المعاصي والذين ماتوا قبل التحريم ليسوا بعاصين ﴿إِذَا مَا اتقوا وَآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ﴾ أي ليس عليهم جُناحٌ فيما تناولوه من المأكل والمشروب إِذا اتقوا المحرَّم وثبتوا على الإِيمان والأعمال الصالحة ﴿ثُمَّ اتَّقَواْ وَآمَنُواْ﴾ أي اتقوا المحرّم وآمنوا بتحريمه بمعنى اجتنبوا ما حرمّه الله معتقدين حرمته ﴿ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ﴾ أي ثم استمروا على تقوى الله واجتناب المحارم وعملوا الأعمال الحسنة


الصفحة التالية
Icon