الفضل والإِحسان ولذلك عفا عنكم ولم يعاجلكم بالعقوبة ﴿قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ﴾ أي سأل أمثال هذه المسائل قومٌ قبلكم فلما أعطوها وفُرضت عليهم كفروا بها ولهذا قال ﴿ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ﴾ أي صاروا بتركهم العمل بها كافرين وذلك أن بني إِسرائيل كانوا يستفتون أنبياءهم عن أشياء فإذا أُمروا بها تركوها فهلكوا ﴿مَا جَعَلَ الله مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ﴾ كان أهل الجاهلية إذا أنتجت الناقة خمسة أبطن آخرها ذكروا بحروا أذنها أي شقوها وحرموا ركوبها وهي البحيرة، وكان الرجل يقول: إذا قدمتُ من سفري أو برئتُ من مرضي فناقتي سائبة، وجعلها كالبحيرة في تحريم الانتفاع بها، وإذا ولدت الشاة أنثى فهم لهم وإن ولدت ذكراً فهو لآلهتهم وإن ولدت ذكراً وأنثى قالوا وصلت أخاها وهي الوصيلة، وإذا انتجت من صلب الفحل عشرة أبطن قالوا قد حمى ظهره وهو الحام، فلما جاء الإِسلام أبطل هذه العادات كلها فلا بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام، ﴿ولكن الذين كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ على الله الكذب وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ﴾ أي ولكنَّ الذين كفروا بالله يختلفون الكذب على الله وينسبون التحريم إِليه فيقولون الله أمرنا بهذا وأكثرهم لا يعقلون أن هذا لأنهم يقلّدون فيه الآباء ولهذا قال تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إلى مَآ أَنزَلَ الله وَإِلَى الرسول﴾ أي وإِذا قيل لهؤلاء الضالين هلموا إِلى حكم الله ورسوله فيما حلّلتم وحرّمتم ﴿قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ﴾ أي يكفينا دين آبائنا ﴿أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ﴾ الهمزة للإِنكار والغرض التوبيخ أي أيتبعون آباءهم فيما هم عليه من الضلال ولو كانوا لا يعلمون شيئاً من الدين ولا يهتدون إلى الحق؟ ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ أي احفظوها عن ملابسة المعاصي والإِصرار على الذنوب والزموا إصلاحها ﴿لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا اهتديتم﴾ أي لا يضركم ضلال من ضلَّ من الناس إذا كنتم مهتدين قال الزمخشري: كان المسلمون تذهب أنفسهم حسرة على الكفرة يتمنون دخولهم في الإِسلام فقيل لهم عليكم أنفسكم بإصلاحها والمشي بها في طرق الهدى لا يضركم الضلاَّل عن دينكم إذا كنتم مهتدين كما قال تعالى لنبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
﴿فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ [فاطر: ٨] وقال أبو السعود: ولا يتوهمنّ أحدٌ أنّ في الآية رخصة في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن من جملة الاهتداء أن ينكر وقد روي أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال: «إن الناس إِذا رأوا المنكر فلم يغيّروه عمّهم الله بعقابه» ﴿إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً﴾ أي مصيركم ومصير جميع الخلائق إلى الله ﴿فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أي فيجازيكم بأعمالكم قال البيضاوي: هذا وعدٌ ووعيد للفريقين، وتنبيه على أن أحداً لا يؤاخذ بذنب غيره ﴿يِا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الموت حِينَ الوصية﴾ أي يا أيها المؤمنون إذا شارف أحدكم على الموتِ وظهرت علائمه فينبغي أن يُشهد على وصيته ﴿اثنان ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ أي يُشهد على الوصية شخصين عدلين من المسلمين أو اثنان من غير المسلمين إن لم تجدوا شاهدين منكم {إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأرض


الصفحة التالية
Icon