منحناهم من أسباب السعة والعيش والتمكين في الأرض ما لم نعطكم يا أهل مكة ﴿وَأَرْسَلْنَا السمآء عَلَيْهِم مِّدْرَاراً﴾ أي أنزلنا المطر غزيراً متتابعاً يدرُّ عليهم درّاً ﴿وَجَعَلْنَا الأنهار تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ﴾ أي من تحت أشجارهم ومنازلهم حتى عاشوا في الخصب والريف بين الأنهار والثمار ﴿فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ﴾ أي فكفروا وعصوا فأهلكناهم بسبب ذنوبهم، وهذا تهديد للكفار أن يصيبهم مثل ما أصاب هؤلاء على حال قوتهم وتمكينهم في الأرض ﴿وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ﴾ أي أحدثنا من بعد إِهلاك المكذبين قوماً آخرين غيرهم قال أبو حيان: وفيه تعريض للمخاطبين بإهلاكهم إذا عصوا كما أهلك من قبلهم ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ﴾ أي لو نزّلنا عليك يا محمد كتاباً مكتوباً على ورقٍ كما اقترحوا ﴿فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ﴾ أي فعاينوا ذلك ومسّوه باليد ليرتفع عنهم كل إِشكال ويزول كل ارتياب ﴿لَقَالَ الذين كَفَرُواْ إِنْ هاذآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ أي لقال الكافرون عند رؤية تلك الآية الباهرة تعنتاً وعناداً ما هذا إِلا سحرٌ واضح، والغرضُ أنهم لا يؤمنون ولو جاءتهم أوضح الآيات وأظهر الدلائل ﴿وَقَالُواْ لولا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ﴾ أي هلاّ أنزل على محمد ملك يشهد بنبوته وصدقه و ﴿لولا﴾ بمعنى هلاّ للتحضيض قال أبو السعود: أي هلاّ أُنزل عليه ملك بحيث نراه ويكلمنا أنه نبيّ وهذا من أباطيلهم المحقّقة وخرافاتهم الملفّقة التي يتعللون بها كلما ضاقت عليهم الحيَل وعييت بهم العلل ﴿وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ الأمر﴾ أي لو أنزلنا الملك كما اقترحوا وعاينوه ثم كفروا لحقًّ إِهلاكهم كما جرت عادة الله بأن من طلب آية ثم لم يؤمن من أهلكه الله حالاً ﴿ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ﴾ أي ثم لا يُمهلون ولا يُؤخرون، والآية كالتعليل لعدم إِجابة طلبهم، فإِنهم - في ذلك الإِقتراح - كالباحث عن حتفه بظِلْفه ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً﴾ أي لو جعلنا الرسول ملكاً لكان في صورة رجل لأنهم لا طاقة لهم على رؤية الملك في صورته ﴿وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ﴾ أي لخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم وعلى ضعفائهم، فإِنهم لو رأوا الملك في صورة إِنسان قالوا هذا إِنسانٌ وليس بملك قال ابن عباس: لو أتاهم ملكٌ ما أتاهم إِلا في صورة رجل لأنهم لا يستطيعون النظر إلى الملائكة من النور، ثم قال تعالى تسلية للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ﴿وَلَقَدِ استهزىء بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ﴾ أي والله لقد استهزأ الكافرون من كل الأمم بأنبيائهم الذين بعثوا إِليهم ﴿فَحَاقَ بالذين سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ﴾ أي أحاط ونزل بهؤلاء المستهزئين بالرسل عاقبة استهزائهم، وفي هذا الإِخبار تهديد للكفار ﴿قُلْ سِيرُواْ فِي الأرض ثُمَّ انظروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المكذبين﴾ أي قل يا محمد لهؤلاء المستهزئين الساخرين: سافروا في الأرض فانظروا وتأملوا ماذا حلّ بالكفرة قبلكم من العقاب وأليم العذاب لتعتبروا بآثار من خلا من الأمم كيف أهلكهم الله وأصبحوا عبرةً للمعتبرين ﴿قُل لِّمَن مَّا فِي السماوات والأرض﴾ أي قل يا محمد لمن الكائنات جميعاً خلقاً وملكاً وتصرفاً؟ والسؤال لإِقامة الحجة على