تعالى ﴿لئن أشركت ليحبطنَّ عملك﴾ وقد علم الله منه أنه لا يشرك ولا يحبط عمله ﴿فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ﴾ أي ابتلينا الغنيّ بالفقير والشريف بالوضيع ﴿ليقولوا أهؤلاء مَنَّ الله عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ﴾ أي ليقول الأشراف والأغنياء أهؤلاء الضعفاء والفقراء منَّ الله عليهم بالهداية والسبق إلى الإِسلام من دوننا!! قالوا ذلك إِنكاراً واستهزاء كقولهم
﴿أهذا الذي بَعَثَ الله رَسُولاً﴾ [الفرقان: ٤١] قال تعالى رداً عليهم ﴿أَلَيْسَ الله بِأَعْلَمَ بالشاكرين﴾ ؟ أي الله أعلم بمن يشكر فيهديه ومن يكفر فيخزيه، والاستفهام للتقرير ﴿وَإِذَا جَآءَكَ الذين يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ﴾ قال القرطبي: نزلت في الذين نهى الله نبيه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ عن طردهم فكان إذا رآهم بدأهم بالسلام وقال «الحمدلله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أبدأهم بالسلام» وأُمر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بأن يبدأهم بالسلام إِكراماً لهم وتطييباً لقلوبهم ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرحمة﴾ أي ألزم نفسه الرحمة تفضلاً منه وإِحساناً ﴿أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سواءا بِجَهَالَةٍ﴾ أي خطيئة من غير قصد قال مجاهد: أي لا يعلم حلالاً من حرام ومن جهالته ركب الأمر ﴿ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ أي ثم تاب من بعد ذلك الذنب وأصلح عمله فإن الله يغفر له، وهو وعدٌ بالمغفرة والرحمة لمن تاب وأصلح ﴿وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيات﴾ أي كما فصلنا في هذه السورة الدلائل والحجج على ضلالات المشركين كذلك نبيّن ونوضّح لكم أمور الدين ﴿وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ المجرمين﴾ أي ولتتوضح وتظهر طريق المجرمين فينكشف أمرهم وتستبين سبلُهم ﴿قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله﴾ أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين إني نُهيت أن أعبد هذه الأصنام التي زعمتموها آلهة وعبدتموها من دون الله ﴿قُلْ لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَآءَكُمْ﴾ أي في عبادة غير الله، وفيه تنبيه على سبب ضلالهم ﴿قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ المهتدين﴾ أي قد ضللت إِن أتبعتُ أهواءكم ولا أكون في زمرة المهتدين ﴿قُلْ إِنِّي على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي﴾ أي على بصيرة من شريعة الله التي أوحاها إليّ ﴿وَكَذَّبْتُم بِهِ﴾ أي وكذَّبتم بالحق الذي جاءني من عند الله ﴿مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ﴾ أي ليس عندي ما أبادركم به من العذاب قال الزمخشري: يعني العذاب الذي استعجلوه في قولهم ﴿فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمآء﴾ [الأنفال: ٣٢] ﴿إِنِ الحكم إِلاَّ للَّهِ﴾ أي ما الحكم في أمر العذاب وغيره إلا لله وحده ﴿يَقُصُّ الحق وَهُوَ خَيْرُ الفاصلين﴾ أي يخبر الحق ويبينه البيان الشافي وهو خير الحاكمين بين عباده ﴿قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ﴾ أي لو أن بيدي أمر العذاب الذي تستعجلونه ﴿لَقُضِيَ الأمر بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾ أي لعجلته لكم لأستريح منكم ولكنه بيد الله قال ابن عباس: لم أهملكم ساعةً ولأهلكتكم ﴿والله أَعْلَمُ بالظالمين﴾ أي هو تعالى أعلم بهم إِن شاء عاجلهم وإِن شاء آخّر عقوبتهم، وفيه وعيد وتهديد.
البَلاَغَة: ١ - ﴿والموتى يَبْعَثُهُمُ الله﴾ فيه استعارة لأن الموتى عبارة عن الكفار لموت قلوبهم.
٢ - ﴿يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ﴾ تأكيد لدفع توهم المجاز لأن الطائر قد يستعمل مجازاً للعمل كقوله ﴿أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾ [الإسراء: ١٣].


الصفحة التالية
Icon