روي أن هذه الآية لما نزلة أشفق منها أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقالوا: وأيُّنا لم يظلم نفسه؟ فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «ليس كما تظنون وإِنما هو كما قال لقمان لابنه
﴿يابني لاَ تُشْرِكْ بالله إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: ١٣] ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ آتَيْنَاهَآ إِبْرَاهِيمَ على قَوْمِهِ﴾ الإِشارة إِلى ما تقدم من الحجج الباهرة التي أيّد الله بها خليله عليه السلام أي هذا الذي احتج به إِبراهيم على وحدانية الله من أفول الكواكب والشمس والقمر من أدلتنا التي أرشدناه لها لتكون له الحجة الدامغة على قومه ﴿نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ﴾ أي بالعلم والفهم والنبوّة ﴿إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ أي حكيم يضع الشيء في محله عليم لا يخفى عليه شيء ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ أي وهبنا لإِبراهيم ولداً وولد ولد لتقر عينه ببقاء العقب ﴿كُلاًّ هَدَيْنَا﴾ أي كلاً منهما أرشدناه إِلى سبيل السعادة وآتيناه النبوة والحكمة قال ابن كثير: يذكر تعالى أنه وهب لإِبراهيم إِسحق بعد أن طعن في السنّ وأيس من الولد، وبُشّر بنبوته وبأن له نسلاً وعقباً وهذا أكمل في البشارة وأعظم في النعمة، وكان هذا مجازاةً لإِبراهيم حين اعتزل قومه وهاجر من بلادهم لعبادة الله، فعوّضه الله عن قومه وعشيرته بأولاد صالحين من صلبه لتقرَّ بهم عينه ﴿وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ﴾ أي من قبل إِبراهيم، وذكر تعالى نوحاً لأنه أب البشر الثاني فذكر شرف أبناء إِبراهيم ثم ذكر شرف آبائه ﴿وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ﴾ أي ومن ذرية إِبراهيم هؤلاء الأنبياء الكرام، وبدأ تعالى بذكر داود وسليمان لأنهما جمعا الملك مع النبوة وسليمان بن داود فذكر الأب والإِبن ﴿وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ﴾ قرنهما لاشتراكهما في الامتحان والبلاء ﴿وموسى وَهَارُونَ﴾ قرنهما لاشتراكهما في الأخوّة وقدَّم موسى لأنه كليم الله ﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين﴾ أي مثل ذلك الجزاء الكريم لإِبراهيم نجزي من كان محسناً في عمله صادقاً في إِيمانه ﴿وَزَكَرِيَّا ويحيى وعيسى وَإِلْيَاسَ﴾ قرن بينهم لاشتراكهم في الزهد الشديد والإِعراض عن الدنيا ﴿كُلٌّ مِّنَ الصالحين﴾ أي الكاملين في الصلاح ﴿وَإِسْمَاعِيلَ واليسع وَيُونُسَ وَلُوطاً﴾ اسماعيل هو ابن إِبراهيم، ويونس بن متّى، ولوط بن هاران وهو ابن أخ إِبراهيم ﴿وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى العالمين﴾ أي كلاً من هؤلاء المذكورين في هذه الآية فضلناه بالنبوة على عالمي عصرهم ﴿وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ﴾ أي وهدينا من آبائهم وذرياتهم وإِخوانهم جماعاتٍ كثيرة ﴿واجتبيناهم وَهَدَيْنَاهُمْ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ أي اصطفيناهم وهديناهم إِلى الطريق الحق المستقيم الذي لا عوج فيه قال ابن عباس: هؤلاء الأنبياء كلهم مضافون إِلى ذرية إِبراهيم وإِن كان فيهم من لا يلحقه بولادةٍ من قبل أمٍ ولا أب ﴿ذلك هُدَى الله يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ أي ذلك الهدى إِلى الطريق المستقيم هو هدى الله يهدي به من أراد من خلقه ﴿وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ أي لو أشرك هؤلاء الأنبياء مع فضلهم وعلو قدرهم لبطل عملهم فكيف بغيرهم؟ ﴿أولئك الذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب والحكم والنبوة﴾ أي أنعمنا عليهم بإِنزال الكتب السماوية والحكمة الربانية والنبوة والرسالة ﴿فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هؤلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ﴾ أي فإِن يكفر


الصفحة التالية
Icon