بآياتنا كفار عصرك يا محمد فقد استحفظناها واسترعيناها رسلنا وأنبياءنا ﴿أولئك الذين هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقتده﴾ أي هؤلاء الرسل المتقدم ذكرهم هم الهداة المهديّون فتأس واقتد بسيرتهم العطرة ﴿قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً﴾ أي قل يا محمد لقومك لا أسألكم على تبليغ القرآن شيئاً من الأجر والمال ﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ ذكرى لِلْعَالَمِينَ﴾ أي ما هذا القرآن إِلا عظةٌ وتذكير لجميع الخلق ﴿وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ﴾ أي ما عرفوا الله حق معرفته ولا عظّموه حقَّ تعظيمه ﴿إِذْ قَالُواْ مَآ أَنزَلَ الله على بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ﴾ أي حين أنكروا الوحي وبعثة الرسل، والقائلون هم اليهود للعناء تفوهوا بهذه العظيمة الشنْعاء مبالغة في إِنكار نزول القرآن على محمد عليه السلام ﴿قُلْ مَنْ أَنزَلَ الكتاب الذي جَآءَ بِهِ موسى نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ﴾ أي قل يا محمد لهؤلاء المعاندين من أنزل التوراة على موسى نوراً يستضاء به وهداية لبني إِسرائيل؟ ﴿تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً﴾ أي تكتبونه في قراطيس مقطعة وورقات مفرقة تبدون منها ما تشاءون وتخفون ما تشاءون قال الطبري: ومما كانوا يكتمونه إِياهم ما فيها من أمر محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ونبوته ﴿وَعُلِّمْتُمْ مَّا لَمْ تعلموا أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ﴾ أي عُلّمتم يا معشر اليهود من دين الله وهدايته في هذا القرآن ما لم تعلموا به من قبل لا أنتم ولا آباؤكم ﴿قُلِ الله ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ﴾ أي قل لهم في الجواب: الله أنزل هذا القرآن ثم اتركهم في باطلهم الذي يخوضون فيه يهزءون ويلعبون، وهذا وعيدٌ لهم وتهديد على إِجرامهم ﴿وهذا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ﴾ أي وهذا القرآن الذي أُنزل على محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مبارك كثير النفع والفائدة ﴿مُّصَدِّقُ الذي بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ أي يصدّق كتب الله المنزّلة كالتوراة والإِنجيل ﴿وَلِتُنذِرَ أُمَّ القرى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ أي لتنذر به يا محمد أهل مكة ومن حولها سائر أهل الأرض قاله ابن عباس ﴿والذين يُؤْمِنُونَ بالآخرة يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ أي والذين يصدّقون بالحشر والنشر يؤمنون بهذا الكتاب ما انطوى عليه من ذكر الوعد والوعيد والتبشير والتهديد ﴿وَهُمْ على صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ أي يؤدون الصلاة على الوجه الأكمل في أوقاتها قال الصاوي: خصّ الصلاة بالذكر لأنها أشرف العبادات ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً﴾ استفهام معناه النفي أي لا أحد أظلم ممن كذب على الله فجعل له شركاء وأنداداً ﴿أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ﴾ أي زعم أن الله بعثه نبياً كمسيلمة الكذاب والأسود العنسي مع أن الله لم يرسله ﴿وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنَزلَ الله﴾ أي ومن ادعى أنه سينظم كلاماً يماثل ما أنزله الله كقوله الفجار
﴿لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هذا﴾ [الأنفال: ٣١] قال أبو حيان: نزلت في النضر بن الحارث ومن معه من المستهزئين لأنه عارض القرآن بكلام سخيف لا يُذكر لسخفه ﴿وَلَوْ ترى إِذِ الظالمون فِي غَمَرَاتِ الموت﴾ أي ولو ترى يا محمد هؤلاء الظلمة وهم في سكرات الموت وشدائده، وجواب ﴿لَوْ﴾ محذوف للتهويل أي لرأيت أمراً عظيماً ﴿والملائكة باسطوا أَيْدِيهِمْ أخرجوا أَنْفُسَكُمُ﴾ أي وملائكة العذاب يضربون


الصفحة التالية
Icon