المنَاسَبَة: أشارت الآيات السابقة إلى أن الله تعالى خصّ آدم عليه السلام بالخلافة، كما خصّه بعلم غزير وقفت الملائكة عاجزة عنه، وأضافت هذه الآيات الكريمة بيان نوع آخر من التكريم أكرمه الله به ألا وهو أمر الملائكة بالسجود له، وذلك من أظهر وجوه التشريف والتكريم لهذا النوع الإنساني ممتلأ في أصل البشرية آدم عليه السلام.
اللغَة: ﴿اسجدوا﴾ أصل السجود: الانحناء لمن يُسجد له والتعظيم، وهو في اللغة: التذلل والخضوع، وفي الشرع: وضع الجبهة على الأرض ﴿إِبْلِيسَ﴾ اسم للشيطان وهو أعجمي، وقيل إنه مشتق من الإِبلاس وهو الإياس ﴿أبى﴾ امتنع، والإِباء: الامتناع مع التمكن من الفعل ﴿واستكبر﴾ الاستكبار: التكبر والتعاظم في النفس ﴿رَغَداً﴾ واسعاً كثيراً لا عناء فيه، والرغد: سعة العيش، يقال: رغد عيش القوم إِذا كانوا في رزقٍ واسع قال الشاعر:
بينما المرء تراه ناعماً | يأمن الأحداث في عيشٍ رغد |
التفِسير: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ﴾ أي اذكر يا محمد لقومك حين قلنا للملائكة ﴿اسجدوا لأَدَمَ﴾ أي سجود تحية وتعظيم لا سجود عبادة ﴿فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ﴾ أي سجدوا جميعاً له غير إبليس ﴿أبى واستكبر﴾ أي امتنع مما أمر به وتكبر عنه ﴿وَكَانَ مِنَ الكافرين﴾ أي صار بإبائه واستكباره من الكافرين حيث استقبح أمر الله بالسجود لآدم ﴿وَقُلْنَا يَآءَادَمُ اسكن أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجنة﴾ أي أسكن في جنة الخلد مع زوجك حواء ﴿وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً﴾ أي كلا من ثمار الجنة أكلاً رغداً واسعاً ﴿حَيْثُ شِئْتُمَا﴾ أي من أي مكان في الجنة أردتما الأكل فيه ﴿وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة﴾ أي لا تأكلا من هذه الشجرة قال ابن عباس: هي الكرمة ﴿فَتَكُونَا مِنَ الظالمين﴾ أي فتصيروا من الذين ظلموا أنفسهم بمعصية الله {