ورحمة للخلق بإرشادهم إلى ما فيه سعادة الدارين ﴿لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ﴾ أي هذه الرحمة للذين يخافون الله ويخشون عقابه على معاصيه ﴿واختار موسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا﴾ أي اختار موسى من قومه سبعين رجلاً ممن لم يعبدوا العجل للوقت الذي وعده ربه الإِتيان للاعتذار عن عبادة العجل ﴿فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرجفة﴾ أي فلما رجف بهم الجبل وصعقوا ﴿قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ﴾ أي قال موسى على وجه التضرع والإِستسلام لأمر الله: لو شئت يا ربِّ أن تهلكنا قبل ذلك لفعلتَ فإِنَّ عبيدك وتحت قهرك وأنت تفعل ما تشاء ﴿أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السفهآء مِنَّآ﴾ ؟ أي أتهلكنا وسائر بني إسرائيل بما فعل هؤلاء السفهاء السبعون في قولهم: ﴿أَرِنَا الله جَهْرَةً﴾ [النساء: ١٥٣] ؟ والاستفهام استفهام استعطاف وتذلل فكأنه يقول: لا تعذبنا يا ألله بذنوب غيرنا قال الطبري في رواية السدي: إن الله أمر موسى عليه السلام أن يأتيه في ناسٍ من بني إسرائيل يعتذرون إليه من عبادة العجل، ووعدهم موعداً فاختار موسى من قومه سبعين رجلاً على عينه ثم ذهب بهم ليعتذروا فلما أتوا ذلك المكان قالوا: لن نؤمن لك يا موسى حتى نرى الله جهرة، فإِنك قد كلمته فأرناه فأخذتهم الصاعقة فماتوا، فقام موسى يبكي ويدعو الله ويقول: رب ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتُهم وقد أهلكتَ خيارهم لو شيئت أهلكتَهم من قبل وإياي «أقول: إذا كان هذا قول الأخيار من بني إسرائيل فكيف حال الأشرار منهم؟ نعوذ بالله من خبق اليهود ﴿إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ﴾ أي ما هذه الفتنة التي حدثت لهم إلا محنتك وابتلاؤك تمتحن بها عبادك ﴿تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهْدِي مَن تَشَآءُ﴾ أي تضل بهذه المحمة من تشاء إضلاله وتهدي من تشاء هدايته ﴿أَنتَ وَلِيُّنَا فاغفر لَنَا وارحمنا﴾ أي أنت يا رب متولي أمورنا وناصرنا وحافظنا فاغفر لنا ما قارفناه من المعاصي وارحمنا برحمتك الواسعة الشاملة ﴿وَأَنتَ خَيْرُ الغافرين﴾ أي أنت خير من صفح وستر، تغفر السيئة وتبدلها بالحسنة ﴿واكتب لَنَا فِي هذه الدنيا حَسَنَةً وَفِي الآخرة﴾ هذا من جملة دعاء موسى عليه السلام أي حقّقْ وأثبتْ لنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ﴿إِنَّا هُدْنَآ إِلَيْكَ﴾ أي تبنا ورجعنا إليك من جميع ذنوبنا ﴿قَالَ عذابي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ أي قال تعالى أما عذابي فأصيب به من أشاء من عبادي وأما رحمتي فقد عمَّتْ خلقي كهلم قال أبو السعود: وفي نسبة الإصابة إلى العذاب بصيغة المضارع ونسبة السعة إلى الرحمة بصبغة الماضي إيذانٌ بأن الرحمة مقتضى الذات، وأما العذاب فبمقتضى معاصي العباد ﴿فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزكاة والذين هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾ أي سأجعل هذه الرحمة خاصة في الآخرة بالذين يتقون الكفر والمعاصي ويعطون زكاة أموالهم ويصدّقون بجميع الكتب والأنبياء ﴿الذين يَتَّبِعُونَ الرسول النبي الأمي﴾ أي هؤلاء الذين تنالهم الرحمة هم الذين يتبعون محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ النبيَّ العربي الأمي أي الذي لا يقرأ ولا يكتب قال البيضاوي: وإنما سمّاه رسولاً بالإِضافة إلى الله تعالى، ونبياً بالإضافة إلى العباد ﴿الذي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التوراة والإنجيل﴾ أي الذي يجدون نعته وصفته في التوراة والإِنجيل قال ابن كثير: هذه صفة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في كتب الأنبياء، بشروا أممهم