لم يمثتلوا الأمر قال المفسرون: روي أنهم أبوا أن يقبلوا أحكام التوراة لغلظها وثقلها فرفع الله الطور على رءوسهم وقيل لهم: إن قبلتموها بما فيها وإلاّ ليقعنَّ عليكم فلما نظروا إلى الجبل خرَّ كل واحد منهم ساجداً خوفاً من سقوطه ثم قال تعالى ﴿خُذُواْ مَآ ءاتيناكم بِقُوَّةٍ﴾ أي وقلنا لهم خذوا التوراة بجد وعزيمة ﴿واذكروا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ أي اذكروا ما فيه بالعمل واعملوا به لتكونوا في سلك المتقين ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بنيءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ قال الطبري: أي واذكر يا محمد إذْ استخرج ربك أولاد آدم من أصلاب آبائهم فقرّرهم بتوحيده وأشهد بعضَهم على بعض بذلك قال ابن عباس: مسح الله ظهر آدم فاستخرج منه كلَّ نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة. ﴿وَأَشْهَدَهُمْ على أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بلى شَهِدْنَآ﴾ أي وقرّرهم على ربوبيته ووحدانيته فأقروا بذلك والتزموا ﴿أَن تَقُولُواْ يَوْمَ القيامة إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غَافِلِينَ﴾ أي لئلا تقولوا يوم الحساب إنا كنا عن هذا الميثاق والإِقرار بالربوبية غافلين لم ننبه عليه ﴿أَوْ تقولوا إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ﴾ أي ولكيلا تقولوا يوم القيامة أيضاً نحن ما أشركنا وإنما قلدنا آباءنا واتبعنا منهاجهم فنحن معذورون ﴿أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ المبطلون﴾ أي أفتهلكنا بإشراك من أشرك من آبائنا المضلّين بعد اتباعنا منهاجهم على جهلٍ منا بالحق؟ ﴿وكذلك نُفَصِّلُ الآيات وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ أي وكما بينا الميثاق نبيّن الآيات ليتدبرها الناس وليرجعوا عما هم عليه من الإِصرار على الباطل وتقليد الآباء ﴿واتل عَلَيْهِمْ نَبَأَ الذيءَاتَيْنَاهُءَايَاتِنَا فانسلخ﴾ أي واتقل يا محمد على اليهود خبر وقصة ذلك العالم الذي علمناه علم بعض كتب الله فانسلخ من الآيات كما تنسلخ الحية من جلدها بأن كفر بها وأعرض عنها ﴿مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشيطان فَكَانَ مِنَ الغاوين﴾ أي فلحقه الشيطان واستحوذ عليه حتى جعله في زمرة الضالين الراسخين في الغَواية بعد أن كان من المهتدين قال ابن عباس: هو «بلعم بن باعوراء» كان عنده اسم الله الأعظم وقال ابن مسعود: هو رجل من بني إسرائيل بعثه موسى إلى ملك «مَدْيَنَ» داعياً إلى الله فرشاه الملك وأعطاه المُلْك على أن يترك دين موسى ويتابع الملك على دينه ففعل وأضل الناس بذلك ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا ولكنه أَخْلَدَ إِلَى الأرض واتبع هَوَاهُ﴾ أي لو شئنا لرفعناه إلى منزل العلماء الأبرار ولكنه مال إلى الدنيا وسكن إليها وآثر لذتها وشهواتها على الآخرة واتبع ما تهواه نفسه فانحط أسفل سافلين ﴿فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكلب إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث﴾ أي فمثله في الخسة والدناءة كمثل الكلب إن طردته وزجرته فسعى لَهَث، وإن تركته على حاله لَهَث، وهو تمثيل بادي الروعة ظاهر البلاغة ﴿ذَّلِكَ مَثَلُ القوم الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾ أي هذا المثل السيء هو مثلٌ لكل من كذّب بآيات الله، وفيه