فإن تسألي عنّي فيا ربَّ سائلٍ حفيٍّ عن الأعشى به حيث أصْعَدا
والإِحفاء الاستقصاء ومنه إحفاء الشوارب وحفي عن الشيء إذا بحث للتعرف عن حاله ﴿العرف﴾ المعروف وهو كل خصلة حميدة ترتضيها العقول وتطمئن إليها النفوس ﴿الآصال﴾ جمع أصيل قال الجوهري: والأصيل الوقت بعد العصر إلى المغرب.
سَبَبُ النّزول: روي أن المشركين قالوا للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: إن كنتَ نبياً فأخبرنا عن الساعة متى تقوم؟ فأنزل الله ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الساعة أَيَّانَ مُرْسَاهَا﴾.
التفسِير: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الساعة﴾ أي يسألونك يا محمد عن القيامة ﴿أَيَّانَ مُرْسَاهَا﴾ أي متى وقوعها وحدوثها؟ وسميت القيامة ساعة لسرعة ما فيها من الحساب كقوله ﴿وَمَآ أَمْرُ الساعة إِلاَّ كَلَمْحِ البصر أَوْ هُوَ أَقْرَبُ﴾ [النحل: ٧٧] ﴿قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي﴾ أي قل لهم يا محمد لا يعلم الوقت الذي يحصل قيام القيامة فيه إلا الله سبحانه ثم أكَّد ذلك بقوله ﴿لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ﴾ أي لا يكشف أمرها ولا يظهرها للناس إلا الرب سبحانه بالذات هو العالم بوقتها ﴿ثَقُلَتْ فِي السماوات والأرض﴾ أي عظًمت على أهل السماوات والأرض حيث يشفقون منها ويخافون شدائدها وأهوالها ﴿لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا﴾ أي يسألونك يا محمد عن وقتها كأنك كثير السؤال عنها شديد الطلب لمعرفتها ﴿قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ الله﴾ أي لا يعلم وقتها إلا الله لأنها من الأمور الغيبية التي استأثر بها علاّم الغيوب ﴿ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أي لا يعلمون السبب الذي لأجله أُخفْيتْ قال الإِمام الفخر: والحكمة في إخفاء الساعة عن العباد أنهم إذا لم يعلموا متى تكون كانوا على حذرٍ منها فيكون ذلك أدعى إلى الطاعة وأزجر عن المعصية ﴿قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَآءَ الله﴾ أي لا أملك أن أجلب إلى نفسي خيراً ولا أدفع عنها شراً إلا بمشيئته تعالى فكيف أملك علم الساعة؟ ﴿وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الغيب لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخير﴾ أي لو كنت أعرف أمور الغيب لحصّلت كثيراً من منافع الدنيا وخيراتها ودفعت عني آفاتها ومضراتها ﴿وَمَا مَسَّنِيَ السواء﴾ أي لو كنت أعلم الغيب لاحترست من السوء ولكنْ لا أعلمه فلهذا يصيبني ما قُدَّر لي من الخير والشر ﴿إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ﴾ أي ما أنا إلا عبد مرسل للإنذار والبشارة ﴿لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ أي لقوم يصدقون بما جئتهم به من عند الله ﴿هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ أي هو سبحانه ذلك العظيم الشأن الذي خلقكم جميعاً وحده من غير معين من نفسٍ واحدة هي آدم عليه السلام ﴿وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ أي وخلق منها حواء ﴿لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا﴾ أي ليطمئن إليها ويستأنس بها ﴿فَلَماَّ تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً﴾ أي فلما جامعها حملت بالجنين حملاً خفيفاً دون إزعاج لكونه نطفةً في بادئ الأمر قال أبو السعود: فإنه عند كونه نطفة أو علقة أخف عليها بالنسبة إلى ما بعد ذلك من المراتب، والتعرضُ لذكر خفته للإِشارة إلى


الصفحة التالية
Icon