رَبُّكَ إِلَى الملائكة أَنِّي مَعَكُمْ} تذكير بنعمةٍ أخرى أي يوحي إِلى الملائكة بأني معكم بالعون والنصر ﴿فَثَبِّتُواْ الذين آمَنُواْ﴾ أي ثبتوا المؤمنين وقوّوا أنفسهم على أعدائهم ﴿سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الذين كَفَرُواْ الرعب﴾ أي سأقذف في قلوب الكافرين الخوف والفزع حتى ينهزموا ﴿فاضربوا فَوْقَ الأعناق﴾ أي اضربوهم على الأعناق كقوله ﴿فَضَرْبَ الرقاب﴾ [محمد: ٤] وقيل: المراد الرءوس لأنها فوق الأعناق ﴿واضربوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾ أي اضربوهم على أطراف الأصابع قال في التسهيل: وفائدة ذلك أن المقاتل إِذا ضربت أصابعه تعطَّل عن القتال فأمكن أسره وقتله ﴿ذلك بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ الله وَرَسُولَهُ﴾ أي ذلك العذاب الفظيع واقع عيلهم بسبب مخالفتهم وعصيانهم لأمر الله وأمر رسوله ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الله وَرَسُولَهُ فَإِنَّ الله شَدِيدُ العقاب﴾ أي ومن يخالف أمر الله رسوله بالكفر والعناد فإِن عذاب الله شديد له ﴿ذلكم فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النار﴾ أي ذلكم العقاب فذوقوه يا معشر الكفار في الدنيا، مع أن لكم العقاب الآجل في الآخرة وهو عذاب النار ﴿يَآأَيُّهَا الذين آمنوا إِذَا لَقِيتُمُ الذين كَفَرُواْ زَحْفاً﴾ أي إِذا لقيتم أعداءكم الكفار مجتمعين كأنهم لكثرتهم يزحفون زحفاً ﴿فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأدبار﴾ أي فلا تنهزموا أمامهم بل اثبتوا واصبروا ﴿وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ﴾ أي ومن يولهم يوم اللقاء ظهره منهزماً ﴿إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ﴾ أي إِلا في حال التوجه إِلى قتال طائفة أخرى، أو بالفر للكرّ بأن يخيّل إِلى عدوه أنه منهزم ليغرّه مكيدة وهو من باب «الحرب خدعة» ﴿أَوْ مُتَحَيِّزاً إلى فِئَةٍ﴾ أي منضماً إلى جماعة المسلمين يستنجد بهم ﴿فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍ مِّنَ الله﴾ أي فقد رجع بسخطٍ عظيم ﴿وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ﴾ أي مقره ومسكنه الذي يأوي إِليه نار جهنم ﴿وَبِئْسَ المصير﴾ أي بئس المرجع والمآل ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ ولكن الله قَتَلَهُمْ﴾ أي فلم تقتلوهم أيها المسلمون ببدر بقوتكم وقدرتكم، ولكنَّ الله قتلهم بنصركم عليهم وإِلقاء الرعب في قلوبهم ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ﴾ أي وما رميت في الحقيقة أنت يا محمد أعين القوم بقبضةٍ من تراب لأن كفاً من تراب لا يملأ عيون الجيش الكبير قال ابن عباس: أَخذ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قبضة من التراب فرمى بها في وجوه المشركين وقال: شاهت الوجوه، فلم يبق أحد منهم إِلا أصاب عينيه ومنخريه من تلك الرمية فولوا مدبرين ﴿ولكن الله رمى﴾ أي بإِيصال ذلك إِليهم فالأمر في الحقيقة من الله ﴿وَلِيُبْلِيَ المؤمنين مِنْهُ بلاء حَسَناً﴾ أي فعل ذلك ليقهر الكافرين ويُنعم على المؤمنين بالأجر والنصر والغنيمة ﴿إِنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ أي سميع لأقوالهم عليهم بنياتهم وأحوالهم ﴿ذلكم وَأَنَّ الله مُوهِنُ كَيْدِ الكافرين﴾ أي ذلك الذي حدث من قتل المشركين ونصر المؤمنين حق، والغرض منه إِضعاف وتوهين كيد الكافرين حتى لا تقوم لهم قائمة ﴿إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ الفتح﴾ هذا خطاب لكفار قريش أي إِن تطلبوا يا معشر الكفار الفتح والنصر على المؤمنين فقد جاءكم الفتح وهو الهزيمة والقهر، وهذا على سبيل التهكم بهم قال الطبري في رواية الزهري: قال أبو جهل يوم بدر: اللهم أينا كان أفجر، وأقطع للرحم، فأحِنْه اليوم - أي أهلكه - فأنزل الله ﴿إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ الفتح﴾ فكان


الصفحة التالية
Icon