القتال من أن يغنم المجاهدون الغنائم - وهي أموال المشركين - على طريق القهر والظفر، ذكر سبحانه هنا حكم الغنائم وكيفية قسمتها - ثم سرد بقية الأحداث الهامة في تلك الغزوة المجيدة «غزوة بدر».
اللغَة: ﴿الْعُدْوَةِ الدنيا﴾ عدوة الوادي: جانبه وشفيره، والدنيا تأنيث الأدنى أي الأقرب والراد ما يلي جانب المدينة ﴿العدوة القصوى﴾ القصوى: تأنيث الأقصى أي الأبعد، وكل شيء تنحى عن شيء فقد قصا والمراد ما يلي جانب مكة ﴿نَكَصَ﴾ النكوص: الإِحجام عن الشيء ﴿كَدَأْبِ﴾ الدأب: العادة، وأصله في اللغة إِدامة العمل يقال: فلان يدأب في كذا أي يدوم عليه ويواظب ثم سميت العادة دأباً لأن الإِنسان مداوم على عادته ﴿تَثْقَفَنَّهُمْ﴾ قال الليث: يقال ثقفنا فلاناً في موضع كذا أي أخذناه وظفرنا به ﴿فَشَرِّدْ﴾ التشريد: التفريق والتبديد يقال: شردت القوم إِذا قاتلتهم وطردتهم عنها حتى فارقوها.
التفسِير: ﴿واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ﴾ أي اعلموا أيها المؤمنون أنما غنمتوه من أموال المشركين في الحرب سواء كان قليلاً أو كثيراً ﴿فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ﴾ قال الحسن: هذا مفتاح كلام، الدنيا والآخرة لله أي أن ذكر اسم الله على جهة التبرك والتعيظم كقوله ﴿والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ﴾ [التوبة: ٦٢] قال المفسرون: تقسم الغنيمة خمسة أقسام، فيعطى الخمس لمن ذكر الله تعالى في هذه الآية، والباقي يوزع على الغانمين ﴿وَلِلرَّسُولِ﴾ أي سهم من الخمس يعطى للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ﴿وَلِذِي القربى﴾ أي قرابة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وهم بنو هاشم وبنو المطلب ﴿واليتامى والمساكين وابن السبيل﴾ أي ولهؤلاء الأصناف من اليتامى الذين مات آباؤهم، والفقراء من ذوي الحاجة، والمنقطع في سفره من المسلمين ﴿إِن كُنتُمْ آمَنْتُمْ بالله﴾ جواب الشرط محذوف تقديره: إِن كنتم آمنتم بالله فاعلموا أن هذا هو حكم الله في الغنائم فامتثلوا أمره بطاعته ﴿وَمَآ أَنزَلْنَا على عَبْدِنَا﴾ وبما أنزلنا على محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ﴿يَوْمَ الفرقان﴾ أي يوم بدر لأن الله فرق به بين الحق والباطل ﴿يَوْمَ التقى الجمعان﴾ أي جمع المؤمنين وجمع الكافرين، والتقى فيه جند الرحمن بجند الشيطان ﴿والله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ أي قادر لا يعجزه شيء، ومنه نصركم مع قلَّتكم وكثرتهم ﴿إِذْ أَنتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدنيا﴾ هذا تصوير للمعركة أي وقت كنتم يا معشر المؤمنين بجانب الوادي القريب إلى المدينة ﴿وَهُم بالعدوة القصوى﴾ أي وأعداؤكم المشركون بجانب الوادي الأبعد عن المدينة ﴿والركب أَسْفَلَ مِنكُمْ﴾ أي والعير التي فيها تجارة قريش في مكان أسفل من مكانكم فيما يلي ساحل البحر ﴿وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الميعاد﴾ أي ولو تواعدتم أنتم والمشركون على القتال لاختلفتم له ولكن الله بحكمته يسر وتمم ذلك قال كعب بن مالك: إِنما خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والمسلمون يريدون عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد قال الرازي: المعنى لو تواعدتم أنتم وأهل مكة على القتال لخالف بعضكم بعضاً لقلتكم وكثرتهم، ﴿ولكن لِّيَقْضِيَ الله أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً﴾ أي ولكن جمع بينكم على غير ميعاد ليقضي الله ما أراد بقدرته، من إِعزاز الإِسلام وأهله، وإذلال الشرك وأهله، فكان أمراً متحققاً


الصفحة التالية
Icon