واقعاً لا محالة قال أبو السعود: والغرض من الآية أن يتحققوا أن ما اتفق لهم من الفتح، ليس إِلا صنعاً من الله عَزَّ وَجَلَّ خارقاً للعادات، فيزدادوا إِيماناً وشكراً، وتطمئن نفوسهم بفرض الخمس ﴿لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ﴾ أي فعل ذلك تعالى ليكفر من كفر عن وضوح وبيان ﴿ويحيى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ﴾ أي ويؤمن من آمن عن وضوح وبيان، فإِن وقعة بدر من الآيات الباهرات على نصر الله لأوليائه وخذلانه لأعدائه ﴿وَإِنَّ الله لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ أي سميع لأقوال العباد عليم بنياتهم ﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ الله فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً﴾ أي اذكر يا محمد حين أراك الله في المنام أعداءك قلة، فأخبرت بها أصحابك حتى قويت نفوسهم وتشجعوا على حربهم قال مجاهد: أراه الله إِياهم في منامه قليلاً، فأخبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أصحابه بذلك فكان تثبيتاً لهم ﴿وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ﴾ أي ولو أراك ربك عدوك كثيراً لجبن أصحابك ولم يقدروا على حرب القوم، وانظر إِلى محاسن القرآن فإِنه لم يسند الفشل إِليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لأنه معصوم بل قال ﴿لَّفَشِلْتُمْ﴾ إِشارة إِلى أصحابه ﴿وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأمر﴾ أي ولاختلفتم يا معشر الصحابة في أمر قتالهم ﴿ولكن الله سَلَّمَ﴾ أي ولكن الله أنعم عليكم بالسلامة من الفشل والتنازع ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور﴾ أي عليم بما في القلوب يعلم ما يغيّر أحوالها من الشجاعة والجبن، والصبر والجزع ﴿وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ التقيتم في أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ في أَعْيُنِهِمْ﴾ هذه الرؤية باليقظة لا بالمنام أي واذكروا يا معشر المؤمنين حين التقيتم في المعركة فقلل الله عدوكم في أعينكم لتزداد جرأتكم عليهم، وقلَّلكم في أعينهم حتى لا يستعدوا ويتأهبوا لكم قال أبو مسعود: لقد قُلِّلُوا في أعيننا يوم بدر حتى قلت لرجل: أتراهم يكونون مائة؟ وهذا قبل التحام الحرب فلما التحم القتال كثر الله المؤمنين في أعين الكفار فبُهتوا وهابوا، وفُلَّت شوكتهم، ورأوا ما لم يكن في الحسبان، وهذا من عظائم آيات الله في تلك الغزوة ﴿لِيَقْضِيَ الله أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً﴾ أي فعل ذلك فجؤَّأ المؤمنين على الكافرين، والكافرين على المؤمنين، لتقع الحرب ويلتحم القتال، وينصر الله جنده ويهزم الباطل وحزبه، وتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى ﴿وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور﴾ أي مصير الأمور كلها إِلى الله يصرّفها كيف يريد، لا معقب لحكمه وهو الحكيم المجيد، ﴿ياأيها الذين آمنوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فاثبتوا﴾ هذا إِرشاد إِلى سبيل النصر في مبارزة الأعداء أي إٍِذا لقيتم جماعة من الكفرة فاثبتوا لقتالهم ولا تنهزموا ﴿واذكروا الله كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ﴾ أي أكثروا من ذكر الله بألسنتكم لتستمطروا نصره وعونه وتفوزوا بالظفر عليهم ﴿وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ﴾ أي في جميع أقوالكم وأفعالكم ولا تخالفوا أمرهما في شيء ﴿وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ﴾ أي ولا تختلفوا فيما بينكم فتضعفوا وتجبنوا عن لقاء عدوكم ﴿وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ أي تذهب قوتكم وبأسكم، ويدخلكم الوهن والخور ﴿واصبروا إِنَّ الله مَعَ الصابرين﴾ أي واصبروا على شدائد الحرب وأهوالها، فإِن الله


الصفحة التالية
Icon