مع الصابرين بالنصر والعون ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كالذين خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَآءَ الناس﴾ أي لا تكونوا ككفار قريش حين خرجوا لبدر عتواً وتكبراً، وطلباً للفخر والثناء، والآية إِشارة إِلى قول أبي جهل: والله لا نرجع حتى نَرد بدراً، فنشرب فيها الخمور وننحر الجزور، وتعزف علينا القيان - المغنيات - وتسمع بنا العرب، فلا يزالون يهابوننا أبداً قال الطبري: فسقوا مكان الخمر كؤوس المنايا، وناحت عليهم النوائح مكان القيان ﴿وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله﴾ أي ويمنعون الناس عن الدخول في الإِسلام ﴿والله بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ أي وهو سبحانه عالم بجميع ذلك وسيجازيهم عليه ﴿وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أَعْمَالَهُمْ﴾ أي واذكر وقت أن حسَّن لهم الشيطان أعمالهم القبيحة من الشرك وعبادة الأصنام، وخروجهم لحرب الرسول عليه السلام ﴿وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ اليوم مِنَ الناس﴾ أي لن يغلبكم محمد وأصحابه ﴿وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ﴾ أي مجير ومعين لكم ﴿فَلَمَّا تَرَآءَتِ الفئتان نَكَصَ على عَقِبَيْهِ﴾ أي فلما تلاقى الفريقان ولى الشيطان هارباً مولياً الأدبار ﴿وَقَالَ إِنِّي برياء مِّنْكُمْ﴾ أي بريء من عهد جواركم، وهذا مبالغة في الخذلان لهم ﴿إني أرى مَا لاَ تَرَوْنَ﴾ أي أرى الملائكة نازلين لنصرة المؤمنين وأنتم لا ترون ذلك وفي الحديث
«ما رؤي الشيطان يوماً هو فيه أصغر، ولا أدحر، ولا أحقر، ولا أغيظ منه في يوم عرفة، إِلا ما رأى يوم بدر، فإِنه رأى جبريل يزْعُ الملائكة» أي يصفها للحرب ﴿إني أَخَافُ الله والله شَدِيدُ العقاب﴾ أي إِني أخاف الله أن يعذبني لشدة عقابه قال ابن عباس: جاء إِبليس يوم بدر في جند من الشياطين معه رأيته في صورة «سراقة بن مالك» فقال الشيطان للمشركين: لا غالب لكم اليوم من الناس وإِني جار لكم، فلما اصطف الناس أخذ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قبضه من التراب فرمى بها وجوه المشركين، فولوا مدبرين، وأقبل جبريل عليه السلام إِلى إِبليس، فلما رآه - وكانت يده في يد رجلٍ من المشركين - انتزع يده ثم ولى مدبراً وشيعته، فقال الرجل: يا سراقة أتزعم أنك لنا جار؟ فقال: إِني أرى ما لا ترون إِني أخاف الله، وكذب عدو الله فإِنه علم أنه لا قوة له ولا منعة وذلك حين رأى الملائكة ﴿إِذْ يَقُولُ المنافقون والذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ أي حين قال أهل النفاق الذين أظهروا الإِيمان وأبطنوا الكفر لضعف اعتقادهم بالله ﴿غَرَّ هؤلاء دِينُهُمْ﴾ أي اغتر المسلمون بدينهم فأدخلوا أنفسهم فيما لا طاقة لهم به قال تعالى في جوابهم ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَإِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ أي ومن يعتمد على الله ويثق به فإِن الله ناصره لأن الله عزيز أي غالب لا يذل من استجار به، حكيم في أفعاله وصنعه ﴿وَلَوْ ترى إِذْ يَتَوَفَّى الذين كَفَرُواْ الملائكة﴾ أي لو رأيت وشاهدت أيها المخاطب أو أيها السامع حالتهم ببدر حين تقبض ملائكة العذاب أرواح الكفرة المجرمين، وجواب ﴿لَوْ﴾ محذوف للتهويل أي لرأيت أمراً فظيعاً وشأناً هائلاً قال أبو حيان: وحذف جواب لو جائز بليغ حذفه في مثل هذا لأنه يدل على التهويل والتعظيم أي لرأيت أمراً فظيعاً لا يكاد يوصف ﴿يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ﴾ أي تضربهم الملائكة من أمامهم وخلفهم، على


الصفحة التالية
Icon