وجوههم وظهورهم بمقامع من حديد ﴿وَذُوقُواْ عَذَابَ الحريق﴾ أي ويقولون لهم: ذوقوا يا معشر الفجرة عذاب النار المحرق، وهذا بشارة لهم بعذاب الآخرة وقيل: كانت معهم أسواط من نار يضربونهم بها فتشتعل جراحاتهم ناراً ﴿ذلك بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ أي ذلك العذاب بسبب ما كسبتم من الكفر والآثام ﴿وَأَنَّ الله لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ﴾ أي وأنه تعالى عادل ليس بذي ظلم لأحد من العباد حتى يعذبه بغير ذنب، وصيغة ﴿ظَلاَّمٍ﴾ ليست للمبالغة وإِنما هي للنسب أي ليس منسوباً إِلى الظلم فقد انتفى أصل الظلم عنه تعالى فتدبره ﴿كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ والذين مِن قَبْلِهِمْ﴾ أي دأب هؤلاء الكفرة في الإِجرام يعني عملهم وطريقهم الذي دأبوا فيه كعمل وطريق آل فرعون ومن تقدمهم من الأمم كقوم نوح وعاد وثمود في العناد والتكذيب والكفر والإِجرام ﴿كَفَرُواْ بِآيَاتِ الله﴾ أي جحدوا ما جاءهم به الرسل من عند الله ﴿فَأَخَذَهُمُ الله بِذُنُوبِهِمْ﴾ أي أهلكهم بكفرهم وتكذيبهم ﴿إِنَّ الله قَوِيٌّ شَدِيدُ العقاب﴾ أي قوي البطش شديد العذاب، لا يغلبه غالب ولا يفوته هارب ﴿ذلك بِأَنَّ الله لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا على قَوْمٍ﴾ أي ذلك الذي حل بهم ن العذاب بسبب أن الله عادل في حكمه لا يغير نعمة أنعمها على أحدٍ إِلا بسبب ذنبٍ ارتكبه، وأنه لا يبدل النعمة بالنقمة ﴿حتى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ أي حتى يبدلوا نعمة الله بالكفر والعصيان، كتبديل كفار قريش نعمة الله من الخصب والسعة والأمن والعافية، بالكفر والصد عن سبيل الله وقتال المؤمنين قال السدي: نعمة الله على قريش محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فكفروا به وكذبوه، فنقله الله إِلى المدينة وحل بالمشركين العقاب ﴿وَأَنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ أي وأنه سبحانه سميع لما يقولون عليم بما يفعلون ﴿كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ والذين مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ﴾ كرره لزيادة التشنيع والتوبيخ على إِجرامهم أي شأن هؤلاء وحالهم كشأن وحال المكذبين السابقين حيث غيروا حالهم فغيّر الله نعمته عليهم ﴿فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ﴾ أي أهلكناهم بسبب ذنوبهم بعضهم بالرجفة، وبعضهم بالخسف وبعضهم الحجارة، وبعضهم بالغرق ولهذا قال ﴿وَأَغْرَقْنَآ آلَ فِرْعَونَ﴾ أي أغرقنا فرعون وقومه معه ﴿وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ﴾ أي وكل من الفرق المكذبة كانوا ظالمين لأنفسهم بالكفر والمعاصي حيث عرَّضوها للعذاب ﴿إِنَّ شَرَّ الدواب عِندَ الله﴾ أي شر من يدب على وجه الأرض في علم الله وحكمه ﴿الذين كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ أي الذين أصروا على الكفر ورسخوا فيه فهم لا يتوقع منهم إِيمان لذلك قال ابن عباس: نزلت في بني قريظة من اليهود، منهم كعب بن الأشرف وأصحابه عاهدهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ألا يحاربوه فنقضوا العهد ﴿الذين عَاهَدْتَّ مِنْهُمْ﴾ أي الذين عاهدتهم يا محمد على ألا يعينوا المشركين ﴿ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ﴾ أي يستمرون على النقض مرة بعد مرة ﴿وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ﴾ أي لا يتقون الله في نقض العهد قال المفسرون: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قد عاهد يهود بني قرظة ألا يحاربوه ولا يعاونوا عليه المشركين، فنقضوا العهد وأعانوا عليه كفار مكة بالسلاح يوم بدر، ثم قالوا: نسينا وأخطأنا فعاهدهم مرة أخرى فنقضوا العهد ومالئوا الكفار يوم الخندق ﴿فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الحرب﴾ أي فإِن تظفر بهم في الحرب ﴿فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ﴾ أي فاقتلهم ونكل بهم تنكيلاً شديداً يشرد غيرهم من الكفرة المجرمين {


الصفحة التالية
Icon