الآيات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} أي ونبين الحجج والأدلة لأهل العلم والفهم، والجملة اعتراضية للحث على التدبر والتأمل ﴿َوَإِن نكثوا أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ﴾ أي وإِن نقضوا عهودهم الموثقة بالأيمْان ﴿وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ﴾ أي عابوا الإِسلام بالقدح والذم ﴿فقاتلوا أَئِمَّةَ الكفر﴾ أي رؤساء وصناديد الكفر ﴿إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ﴾ أي لا أيمان لهم ولا عهود يوفون بها ﴿لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ﴾ أي كي يكفوا عن الإِجرام، وينتهوا عن الطعن في الإِسلام، قال البيضاوي: وهو متعلق ب «قاتلوا» أي ليكن غرضكم في المقاتلة الانتهاء عما هم عليه، لا إِيصال الأذية بهم كما هو طريقة المؤذين ﴿أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نكثوا أَيْمَانَهُمْ﴾ تحريض على قتالهم أي ألا تقاتلون يا معشر المؤمنين قوماً نقضوا العهود وطعنوا في دينكم ﴿وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرسول﴾ أي عزموا على تهجير الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من مكة حين تشاوروا بدار الندوة على إِخراجه من بين أظهركم ﴿وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ أي هم البادئون بالقتال حيث قاتلوا حلفاءكم خزاعة، والبادئ أظلم، فما يمنعكم أن تقاتلوهم؟ ﴿أَتَخْشَوْنَهُمْ فالله أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ﴾ ؟ أي أتخافونهم فتتركون قتالهم خوفاً على أنفسكم منهم؟ فالله أحق أن تخافوا عقوبته إن تركتم أمره ﴿إِن كُنتُمْ مُّؤُمِنِينَ﴾ أي إِن كنتم مصدقين بعذابه وثوابه قال الزمخشري: يعني أن قضية الإِيمان الصحيح ألا يخشى المؤمن إلا ربه ولا يبالي بما سواه.
. ثم بعد الحض والحث أمرهم بقتالهم صراحة فقال ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ الله بِأَيْدِيكُمْ﴾ أي قاتلوهم يا معشر المؤمنين فتقالكم لهم عذاب بأيدي أولياء الله وجهاد لمن قاتلهم ﴿وَيُخْزِهِمْ﴾ أي يذلهم بالأسر والقهر ﴿وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ﴾ أي يمنحكم الظفر والغلبة عليهم ﴿وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ﴾ أي يشف قلوب المؤمنين بإِعلاء دين الله وتعذيب الكفار وخزيهم قال ابن عباس: هم قوم من اليمن قدموا مكة فأسلموا فلقوا من أهلها أذى كثيراً فشكوا إِلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقال: أبشروا فإِن الفرج قريب ﴿وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ﴾ أي يذهب ما بها من غيظ، وغمٍّ، وكرب، وهو كالتأكيد لشفاء الصدور وفائدته المبالغة في جعلهم مسرورين بما يمنّ الله عليهم من تعذيب أعدائهم قال الرازي: أمر تعالى بقتالهم وذكر فيه خمسة أنواع من الفوائد، كل واحد منها يعظم موقعه إِذا انفرد، فكيف بها إِذا اجتمعت؟ ﴿وَيَتُوبُ الله على مَن يَشَآءُ﴾ كلام مستأنف أي يمن الله على من يشاء منهم بالتوبة والدخول في الإِسلام كأبي سفيان ﴿والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ أي عالم بالأسرار لا تخفى عليه خافية، حكيم لا يفعل إِلا ما فيه حكمة ومصلحة قال أبو السعود: ولقد أنجز الله سبحانه جميع ما وعدهم به على أجمل ما يكون، فكان إِخباره عليه السلام بذلك قبل وقوعه معجزة عظيمة ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ﴾ أي منقطعة بمعنى بل والهمزة أي بل أحسبتم يا معشر المؤمنين أن تتركوا بغير امتحان وابتلاء يعرف الصادق منكم في دينه من الكاذب فيه! ﴿وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الذين جَاهَدُواْ مِنكُمْ﴾ أي والحال أنه لم يتبيّن المجاهد منكم من غيره، والمراد بالعلم علم ظهور لا علم خفاء فإِنه تعالى يعلم ذلك غيباً فأراد إِظهار ما علم ليجازي على العمل ﴿وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ الله وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ المؤمنين وَلِيجَةً﴾ أي جاهدوا في سبيل الله ولم يتخذوا