بطانة وأولياء من المشركين يفشون إِليهم أسرارهم ويوالونهم من دون المؤمنين، والغرض من الآية: إن الله تعالى لا يترك الناس دون تمحيص يظهر فيه الطيب من الخبيث ﴿والله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ أي يعلم جميع أعمالكم لا يخفى عليه شيء منها ﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله﴾ أي لا يصح ولا يستقيم ولا ينبغي ولا يليق بالمشركين أن يعمروا شيئاً من المساجد ﴿شَاهِدِينَ على أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ﴾ أي حال كونهم مقرين بالكفر، ناطقين به بأقوالهم وأفعالهم حيث كانوا يقولون في تلبيتهم: «لبيك لا شريك لك، إِلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك» يعنون الأصنام، وكانوا قد نصبوا أصنامهم خارج البيت، وكانوا يطوفون عراة كلما طافوا طوقة سجدوا للأصنام والمعنى: ما استقام لهم أن يجمعوا بين أمرين متنافيين: عمارة مساجد الله، مع الكفر بالله وبعبادته ﴿أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ أي بطلت أعمالهم بما قارنها من الشرك ﴿وَفِي النار هُمْ خَالِدُونَ﴾ أي ماكثون في نار حهنم أبداً ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ الله مَنْ آمَنَ بالله واليوم الآخر﴾ أي إِنما تستقيم عمارة المساجد وتليق بالمؤمن من المصدق بوحدانية الله، الموقن بالآخرة ﴿وَأَقَامَ الصلاة وآتى الزكاة﴾ أي أقام الصلاة المكتوبة بحدودها، وأدى الزكاة المفروضة بشروطها ﴿وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ الله﴾ أي خاف الله ولم يرهب أحداً سواه ﴿فعسى أولئك أَن يَكُونُواْ مِنَ المهتدين﴾ أي فعسى أن يكونوا في زمرة المهتدين يوم القيامة قال ابن عباس: كل عسى في القرآن واجبة قال الله لنبيه
﴿عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً﴾ [الإسراء: ٧٩] يقول: إِن ربك سيبعثك مقاماً محموداً وهي الشفاعة قال أبو حيّان: وعسى من الله تعالى واجبة حيثما وقعت في القرآن، وفي التعبير بعسى قطع لأطماع المشركين أن يكونوا مهتدين، إِذ من جميع هذه الخصال الأربعة جعل حاله حال من لا ترجى له الهداية، فكيف بمن هو عارٍ منها؟ وفيه ترجيح الخشية على الرجاء، ورفض الاغترار بالأعمال الصالحة ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحاج وَعِمَارَةَ المسجد الحرام كَمَنْ آمَنَ بالله واليوم الآخر وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ الله﴾ الخطاب للمشركين، والاستفهام للإِنكار والتوبيخ والمعنى: أجعلتم يا معشر المشركين سقاية الحجيج وسدانة البيت، كإِيمان من آمن بالله وجاهد في سبيله؟ وهو رد على العباس حين قال: لئن كنتم سبقتمونا بالإِسلام والهجرة، فلقد كنا نعمر المسجد الحرام، ونسقي الحاج فنزلت قال الطبري: هذا توبيخ من الله تعالى لقوم افتخروا بالسقاية وسدانة البيت الحرام، فأعلمهم أن الفخر في الإِيمان بالله، واليوم الآخر، والجهاد في سبيله ﴿لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ الله﴾ أي لا يتساوى المشركون بالمؤمنين، ولا أعمال أولئك بأعمال هؤلاء ومنازلهم ﴿والله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين﴾ هذا كالتعليل أي لا يوفق الظالمين إِلى معرفة الحق، قال في البحر: ومعنى الآية إِنكار أن يُشبه المشركون بالمؤمنين، وأعمالهم المحبطة بأعمالهم المثبتة، ولما نفى المساواة بينهم أوضحها بأن الكافرين بالله هم الظالمون، ظلموا أنفسهم بعدم الإِيمان، وظلموا المسجد الحرام إِذ جعلوه متعبداً لأوثانهم، وأثبت للمؤمنين الهداية في الآية السابقة، ونفاها عن المشركين هنا فقال ﴿والله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين﴾ ثم قال تعالى {الذين آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ الله بِأَمْوَالِهِمْ


الصفحة التالية
Icon