وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ الله} هذا زيادة توضيح وبيان لأهل الجهاد والإِيمان والمعنى: إِن الين طهروا أنفسهم من دنس الشرك بالإِيمان، وطهروا أبدانهم بالهجرة من الأوطان، وبذلوا أنفسهم وأموالهم للجهاد في سبيل الرحمن، هؤلاء المتصفون بالأوصاف الجليلة أعظم أجراً، وأرفع ذكراً من سقاة الحاج، وعمار المسجد الحرام وهم بالله مشركون ﴿وأولئك هُمُ الفائزون﴾ أي أولئك هم المختصون بالفوز العظيم في جنات النعيم ﴿يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ﴾ أي يبشرهم المولى برحمة عظيمة، ورضوان كبير من ربِّ عظيم ﴿وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ﴾ أي وجنات عالية، قطوفها دانية، لهم في تلك الجنات نعيم دائم لا زوال له ﴿خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً﴾ أي ماكثين في الجنان إِلى ما لا نهاية ﴿إِنَّ الله عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ أي ثوابهم عند الله عظيم، تعجز العقول عن وصفه قال أبو حيان: لما وصف المؤمنين بثلاث صفات: الإِيمان، والهجرة، والجهاد بالنفس والمال، قابلهم على ذلك بالتبشير بثلاثة: الرحمة، الرضوان، والجنان، فبدأ بالرحمة لأنها أعم النعم في مقابلة الإِيمان، وثنَّى بالرضوان الذي هو نهاية الإِحسان في مقابلة الجهاد، وثلَّث بالجنان في مقابلة الهجرة وترك الأوطان وقال الألوسي: ولا يخفى أن وصف الجنات بأن لهم فيها نعيمٌ مقيم جاء في غاية اللطافة، لأن الهجرة فيها السفر، الذي هو قطعة من العذاب.
البَلاَغَة: ١ - ﴿بَرَآءَةٌ مِّنَ الله وَرَسُولِهِ﴾ التنوين للتفخيم والتقييد بأنها من الله ورسوله لزيادة التفخيم والتهويل.
٢ - ﴿وَبَشِّرِ الذين كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ هذا يسمى «الأسلوب التهكمي» لأن البشارة بالعذاب تهكم به.
٣ - ﴿فَإِذَا انسلخ الأشهر الحرم﴾ شبّه مضي الأشهر وانقضاءها بالإِنسلاخ الواقع بين الحيوان وجلده فهو من باب الاستعارة.
٤ - ﴿والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ ذكر الاسم الجليل مكان الضمير لتربية المهابة وإِدخال الروعة في القلب.
٥ - ﴿وأولئك هُمُ الفائزون﴾ الجملة مفيدة للحصر أي هم الفائزون لا غيرهم.
٦ - ﴿وَأَقَامَ الصلاة وآتى الزكاة﴾ في تخصيص الصلاة والزكاة بالذكر تفخيم لشأنهما وحث على التنبه لهما.
٧ - ﴿بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ﴾ تنكير الرحمة والرضوان للتفخيم والتعظيم أي برحمة لا يبلغها وصف واصف.
فَائِدَة: عمارة المساجد نوعان: حسية، ومعنوية، فالحسية بالتشييد والبناء، والمعنوية بالصلاة وذكر الله، وقد ربط الباري جل وعلا بين العمارة والإِيمان وفي الحديث «إِذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإِيمان لأن الله تعالى يقول {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ الله مَنْ آمَنَ بالله واليوم