بتشتيت شملك وتفريق صحبك عنك من قبل غزوة تبوك كما فعل ابن سلول حين انصرف بأصحابه يوم يوم أحد ﴿وَقَلَّبُواْ لَكَ الأمور﴾ أي دبروا لك المكايد والحيل وأداروا الآراء في إِبطال دينك ﴿حتى جَآءَ الحق وَظَهَرَ أَمْرُ الله﴾ أي حتى جاء نصر الله وظهر دينه وعلا على سائر الأديان ﴿وَهُمْ كَارِهُونَ﴾ أي والحال أنهم كارهون لذلك لنفاقهم ﴿وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ائذن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي﴾ أي ومن هؤلاء المنافقين من يقول لك يا محمد ائذن لي في القعود ولا تفتني بسبب الأمر بالخروج قال ابن عباس: نزلت في «الجد ابن قيس» حين دعاه الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إِلى جلاد بني الأصفر، فقال يا رسول الله: ائذن لي في القعود عن الجهاد ولا تفتني بالنساء ﴿أَلا فِي الفتنة سَقَطُواْ﴾ أي ألا إِنهم قد سقطوا في عين الفتنة فيما أرادوا الفرار منه، بل فيما هو أعظم وهي فتنة التخلف عن الجهاد وظهور كفرهم ونفاقهم قال أبو السعود: وفي التعبير عن الافتتان بالسقوط في الفتنة تنزيل لها منزلة المهواة المهلكة، المفصحة عن ترديهم في دركات الردى أسفل سافلين ﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بالكافرين﴾ أي لا مفر لهم منها لأنها محيطة بهم من كل جانب إِحاطة السوار بالمعصم، وفيه وعيد شديد ﴿إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ﴾ أي إِن تصبك في بعض الغزوات حسنة، سواء كانت ظفراً أو غنيمة، يسؤهم ذلك ﴿وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ﴾ أي وإِن تصبك مصيبة من نكبة وشدة، أو هزيمة ومكروه يفرحوا به ويقولوا: قد احتطنا لأنفسنا وأخذنا بالحذر والتيقظ فلم نخرج للقتال من قبل أن يحل بنا البلاء ﴿وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ﴾ أي وينصرفوا عن مجتمعهم وهم فرحون مسرورون ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلاَّ مَا كَتَبَ الله لَنَا﴾ أي لن يصيبنا خير ولا شر، ولا خوف ولا رجاء، ولا شدة ولا رخاء، إِلا هو مقدر علينا مكتوب عند الله ﴿هُوَ مَوْلاَنَا﴾ أي ناصرنا وحافظنا ﴿وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون﴾ أي ليفوض المؤمنون أمورهم إِلى الله، ولا يعتمدوا على أحد سواه ﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاَّ إِحْدَى الحسنيين﴾ أي قل لهم هل تنتظرون بنا يا معشر المنافقين إِلا إِحدى العاقبتين الحميدتين: إِما النصر، وإِما الشهادة، وكل واحدة منهما شيء حسن!! ﴿وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ الله بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا﴾ أي ونحن ننتظر لكم أسوأ العاقبتين الوخيمتين: أن يهلككم الله بعذابٍ من عنده يستأصل به شأفتكم، أو يقتلكم بأيدينا ﴿فتربصوا إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبِّصُونَ﴾ أي انتظروا ما يحل بنا ونحن ننتظر ما يحل بكم، وهو أمر يتضمن التهديد والوعيد ﴿قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ﴾ أي قل لهم انفقوا يا معشر المنافقين طائعين أو مكرهين، فمهما أنفقتم الأموال فلن يتقبل الله منكم قال الطبري: وهو أمر معناه الخبر كقوله
﴿استغفر لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٨٠] والمعنى لن يُتقبل منكم سواء أنفقتم طوعاً أو كرهاً ﴿إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ﴾ تعليل لرد إِنفاقهم أي لأنكم كنتم عتاة متمردين خارجين عن طاعة الله، ثم أكد هذا المعنى بقوله ﴿وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بالله وَبِرَسُولِهِ﴾ أي وما منع من قبول النفقات منهم إِلا كفرهم بالله ورسوله {


الصفحة التالية
Icon