وَلاَ يَأْتُونَ الصلاة إِلاَّ وَهُمْ كسالى} أي ولا يأتون إِلى الصلاة إِلا وهم متثاقلون ﴿وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ﴾ أي ولا ينفقون أموالهم إِلا بالإِكراه لأنهم يعدونها مغرماً قال في البحر: ذكر تعالى السبب المانع من قبول نفقاتهم وهو الكفر واتبعه بما هو مستلزم له وهو إِتيانهم الصلاة كسالى، وإِيتاء النفقة وهم كارهون، لأنهم لا يرجون بذلك ثواباً ولا يخافون عقاباً، وذكر من أعمال البر هذين العملين الجليلين وهما: الصلاة، والنفقة، لأن الصلاة أشرف الأعمال البدنية، والنفقة في سبيل الله أشرف الأعمال المالية ﴿فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الحياة الدنيا﴾ أي لا تستحسن أيها السامع ولا تفتتن بما أوتوا من زينة الدنيا، وبما أنعمنا عليهم من الأموال والأولاد، فظاهرها نعمة وباطنها نقمة، إِنما يريد الله بذلك استدراجهم ليعذبهم بها في الدنيا قال البيضاوي: وعذابهم بها بسبب ما يكابدون لجمعها وحفظها من المتاعب، وما يرون فيها من الشدائد والمصائب ﴿وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ أي ويموتوا كافرين مشتغلين بالتمتع بزينة الدنيا عن النظر في العاقبة فيشتد في الآخرة عذابهم ﴿وَيَحْلِفُونَ بالله إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ﴾ أي ويقسمون بالله لكم إِنهم لمؤمنون مثلكم، وما هم بمؤمنين لكفر قلوبهم ﴿ولكنهم قَوْمٌ يَفْرَقُونَ﴾ أي ولكنهم يخافون منكم أن تقتلوهم كما تقتلون المشركين، فيظهرون الإِسلام تقية ويؤيدونه بالأَيمان الفاجرة ﴿لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئاً﴾ أي حصناً يلجأون إِليه ﴿أَوْ مَغَارَاتٍ﴾ أي سراديب يختفون فيها ﴿أَوْ مُدَّخَلاً﴾ أي مكاناً يدخلون فيه ولو ضيقاً ﴿لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ﴾ أي لأقبلوا إِليه يسرعون إِسراعاً كالفرس الجموح، والمراد من الآية تنبيه المؤمنين إلى أنَّ المنافقين لو قدروا على الهروب منهم ولو في شر الأمكنة وأخسها لفعلوا لشدة بغضهم لكم فلا تغتروا بأيمانهم الكاذبة أنهم معكم ومنكم ﴿وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصدقات﴾ أي ومنهم من يعيبك يا محمد في قسمة الصدقات ﴿فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ﴾ أي فإِن أعطيتهم من تلك الصدقات استحسنوا فعلك ﴿وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ﴾ أي وإِن لم تعطهم منها ما يرضيهم سخطوا عليك وعابوك قال المفسرون: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يقسم غنائم حنين فجاء إِليه رجل من المنافقين يقال له «ذو الخويصرة» فقال: اعدل يا محمد فإِنك لم تعدل فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:
«ويلك إِن لم أعدل فمن يعدل؟»، الحديث ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَآ آتَاهُمُ الله وَرَسُولُهُ﴾ أي ولو أن هؤلاء الذين عابوك يا محمد رضوا بما أعطيتهم من الصدقات وقنعوا بتلك القسمة وإِن قلَّت قال أبو السعود: وذكرُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ للتعظيم والتنبيه على أن ما فعله الرسول كان بأمره سبحانه ﴿وَقَالُواْ حَسْبُنَا الله﴾ أي كفانا فضل الله وإِنعامه علينا ﴿سَيُؤْتِينَا الله مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ﴾ أي سيرزقنا الله صدقة أو غنيمة أخرى خيراً وأكثر مما آتانا ﴿إِنَّآ إِلَى الله رَاغِبُونَ﴾ أي إِنا إِلى طاعة الله وإِفضاله وإِحسانه لراغبون، وجواب ﴿لَوْ﴾ محذوف تقديره لكان خيراً لهم قال الرازي: وترك الجواب في هذا المعرض أدل على التعظيم والتهويل وهو كقولك للرجل: لو جئتنا.. ثم لم تذكر الجواب أي لو فعلت ذلك لرأيت أمراً عظيماً، ثم ذكر تعالى مصرف الصدقات فقال {إِنَّمَا


الصفحة التالية
Icon