جهنم دائم لا يفتر، فما لكم لا تحذرون نار جهنم؟ قال الزمخشري: وهذا استجهال لهم، لأن من تصوَّن من مشقة ساعة، فوقع بذلك التصون في مشقة الأبد كان أجهل من كل جاهل ﴿لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ﴾ أي لو كانوا يفهمون لنفروا مع الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في الحر، ليتقوا به حر جهنم الذي هو أضعاف أضعاف وهذا ولكنهم «كالمستجير من الرمضاء بالنار» ﴿فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً﴾ أمر يراد به الخبر معناه: فسيضحكون قليلاً، وسيبكون كثيراً، قال ابن عباس: الدنيا قليل فليضحكوا فيها ما شاءوا، فإِذا انقطعت الدنيا وصاروا إِلى الله عَزَّ وَجَلَّ استأنفوا بكاءً لا ينقطع أبداً ﴿جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾ أي جزاءً لهم ما اجترحوا من فنون المعاصي ﴿فَإِن رَّجَعَكَ الله إلى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ﴾ أي فإِن ردك الله من غزوة تبوك إِلى طائفة من المنافقين الذين تخلفوا بغير عذر ﴿فاستأذنوك لِلْخُرُوجِ﴾ أي طلبوا الخروج معك لغزوة أخرى ﴿فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً﴾ أي قل لهم لن تخرجوا معي للجهاد أبداً ﴿وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً﴾ أي لن يكون لكم شرف القتال معي لأعداء الله، وهو خبر معناه النهي للمبالغة، جارٍ مجرى الذم لهم لإِظهار نفاقهم ﴿إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بالقعود أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ أي قعدتم عن الخروج معي أول مرة حين لم تخرجوا إِلى تبوك ﴿فاقعدوا مَعَ الخالفين﴾ أي فاقعدوا مع المتخلفين عن الغزو من النساء والصبيان ﴿وَلاَ تُصَلِّ على أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً﴾ أي لا تصل يا محمد على أحدٍ من هؤلاء المنافقين إِذا مات، لأن صلاتك رحمة، وهم ليسوا أهلاً للرحمة ﴿وَلاَ تَقُمْ على قَبْرِهِ﴾ أي لا تقف على قبره للدفن، أو للزيادة والدعاء ﴿إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بالله وَرَسُولِهِ﴾ أي لأنهم كانوا في حياتهم منافقين يظهرون الإِيمان ويبطنون الكفر ﴿وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ﴾ أي وماتوا وهم على نفاقهم خارجون من الإِسلام متمردون في العصيان، نزلت في ابن سلول ﴿وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ﴾ أي لا تستحسن ما أنعمنا به عليهم من الأموال والأولاد ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الله أَن يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدنيا﴾ أي لا يريد بهم الخير إِنما يريد أن يعذبهم بها في الدنيا بالمصائب والنكبات ﴿وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ أي تخرج أرواحهم ويموتوا على الكفر منشغلين بالتمتع بالأموال والأولاد عن النظر والتدبر في العواقب ﴿وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ﴾ التنكير للتفخيم أي وإِذا أنزلت سورة جليلة الشأن ﴿أَنْ آمِنُواْ بالله وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ﴾ أي بأن آمنوا بالله بصدقٍ ويقين، وجاهدوا مع رسول لنصرة الحق وإِعزاز الدين ﴿استأذنك أُوْلُواْ الطول مِنْهُمْ﴾ أي استأذنك في التخلف أُولوا الغنى والمال الكثير ﴿وَقَالُواْذَرْنَا نَكُنْ مَّعَ القاعدين﴾ أي دعنا نكن مع الذين لم يخرجوا للغزو وقعدوا لعذر، قال تعالى تقبيحاً لهم وذماً ﴿رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الخوالف﴾ أي رضوا بأن يكونوا مع النساء والمرضى والعجزة الذين تخلفوا في البيوت ﴿وَطُبِعَ على قُلُوبِهِمْ﴾ أي ختم عليها ﴿فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ﴾ أي فهم لا يفهمون ما في الجهاد وطاعة الرسول من السعادة، وما في التخلف عنه من الشقاوة ﴿لكن الرسول والذين آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ﴾ قال الرازي: لما شرح حال المنافقين، بيّن حال الرسول والمؤمنين بالضد منه، حيث بذلوا المال والنفس في طلب رضوان الله والتقرب إِليه والمعنى: إِن تخلف هؤلاء ولم


الصفحة التالية
Icon