عنا ذنوبنا، وهي كلمة استغفار ومعناها: اغفر خطايانا. ﴿رِجْزاً﴾ عذاباً ومنه ﴿لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرجز﴾ [الأعراف: ١٣٤] أي العذاب ﴿يَفْسُقُونَ﴾ الفسق: الخروج عن الطاعة وقد تقدم.
التفسير: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ ياموسى﴾ أي اذكروا يا بني إِسرائيل حين خرجتم مع موسى لتعتذروا إِلى الله من عبادة العجل فقلتم ﴿لَن نُّؤْمِنَ لَكَ﴾ أي لن نصدّق لك بأنَّ ما نسمعه كلام الله ﴿حتى نَرَى الله جَهْرَةً﴾ أي حتى نرى الله علانية ﴿فَأَخَذَتْكُمُ الصاعقة﴾ أي أرسل الله عليهم ناراً من السماء فأحرقهم ﴿وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ﴾ أي ما حلّ بكم ثم لما ماتوا قام موسى يبكي ويدعو الله ويقول: رب ماذا أقول لبني إِسرائيل وقد أهلكت خيارهم، وما زال يدعو ربه حتى أحياهم قال تعالى ﴿ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ﴾ أي أحييناكم بعد أن مكثتم ميتين يوماً وليلة، فقاموا وعاشوا ينظر بعضهم إِلى بعض كيف يحيون ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ أي لتشكروا الله على إِنعامه عليكم بالبعث بعد الموت.
ثم ذكّرهم تعالى بنعمته عليهم وهم في التية لما امتنعوا من دخول مدينة الجبارين وقتالهم وقالوا لموسى ﴿فاذهب أَنتَ وَرَبُّكَ فقاتلا﴾ [المائدة: ٢٤] فَعُوقِبُوا على ذلك بالضياع أربعين سنة يتيهون في الأرض فقال تعالى: ﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الغمام﴾ أي سترناكم بالسحاب من حر الشمس وجعلناه عليكم كالظُلَّة ﴿وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ المن والسلوى﴾ أي أنعمنا عليكم بأنواعٍ من الطعام والشراب من غير كدٍّ ولا تعب، والمنُّ كان ينزل عليهم مثل العسل فيمزجونه بالماء ثم يشربونه، والسلوى، طير يشبه السماني لذديد الطعم ﴿كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ أي وقلنا لهم كلوا من لذائذ نعم الله ﴿وَمَا ظَلَمُونَا ولكن كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ أي أنهم كفروا هذه النعم الجليلة، وما ظلمونا ولكن ظلموا أنفسهم، لأن وبال العصيان راجع عليهم ﴿وَإِذْ قُلْنَا ادخلوا هذه القرية﴾ أي واذكروا أيضاً نعمتي عليكم حين قلنا لكم بعد خروجكم من التيه، ادخلوا بيت المقدس ﴿فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً﴾ أي كلوا منها أكلاً واسعاً هنيئاً ﴿وادخلوا الباب سُجَّداً﴾ أي وادخلوا باب القرية ساجدين لله شكراً على خلاصكم من التيه ﴿وَقُولُواْ حِطَّةٌ﴾ أي قولوا يا ربنا حطَّ عنا ذنوبنا واغفر لنا خطايانا ﴿نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ﴾ أي نمح ذنوبكم ونكفّر سيئاتكم ﴿وَسَنَزِيدُ المحسنين﴾ أي نزيد من أحسن إحساناً، بالثواب العظيم، والأجر الجزيل ﴿فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ﴾ أي غيَّر الظالمون أمر الله فقالوا ﴿قَوْلاً غَيْرَ الذي قِيلَ لَهُمْ﴾ حيث دخلوا يزحفون على أستاههم أعني «أدبارهم» وقالوا على سبيل الاستهزاء: «حبة في شعيرة» وسخروا من أوامر الله ﴿فَأَنزَلْنَا عَلَى الذين ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السمآء﴾ أي أنزلنا عليهم طاعونا وبلاءً ﴿بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ﴾ أي بسبب عصيانهم وخروجهم عن طاعة الله، روي أنه مات بالطاعون في ساعة واحدة منهم سبعون ألفاً.
البَلاغَة: أولاً: إِنما قيَّد البعث بعد الموت ﴿ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ﴾ لزيادة التأكيد على أنه موت حقيقي، ولدفع ما عساه يتوهم أن بعثهم كان بعد إِغماء أو بعد نوم.
ثانياً: في الآية إِيجاز بالحذف في قوله ﴿كُلُواْ﴾ أي قلنا لهم لكوا وفي قوله ﴿وَمَا ظَلَمُونَا﴾


الصفحة التالية
Icon