العرش} استواءً يليق بجلاله من غير تكييفٍ، ولا تشبيه، ولا تعطيل قال ابن كثير: نسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح، وهو إِمرارها كما جاءت من غير تشبيه ولا تعطيل، والمتبادر إِلى أذهان المشبِّهين منفيٌ عن الله، فإِن الله لا يشبهه شيءٌ من خلقه، فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة، والأخبار الصحيحة، على الوجه الذي يليق بجلال الله، فقد سلك سبيل الهدى وقال أبو السعود: استوى على العرش على الوجه الذي عناه، وهو صفة له سبحانه بلا كيف، منزهاً عن التمكن والاستقرار، وهذا بيانٌ لجلالة ملكه وسلطانه، بعد بيان عظمة شأنه ﴿يُدَبِّرُ الأمر﴾ أي يدبّر أمر الخلائق على ما تقتضيه الحكمة والمصلحة قال ابن عباس: لا يشغله في تدبير خلقه أحد ﴿مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ﴾ أي لا يشفع عنده شافع يوم القيامة إِلا بعد أن يأذن له في الشفاعة، وفي هذا ردٌّ على المشركين في زعمهم أن الأصنام تشفع لهم ﴿ذلكم الله رَبُّكُمْ فاعبدوه﴾ أي ذلكم العظيم الشأن هو ربكم وخالقكم لا ربَّ سواه، فوحّدوه بالعبادة ﴿أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾ أي أفلا تتعظون وتعتبرون؟ تعلمون أنه المتفرد بالخلق ثم تعبدون معه غيره ﴿إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً﴾ أي إِلى ربكم مرجعكم أيها الناس يوم القيامة جميعاً ﴿وَعْدَ الله حَقّاً﴾ أي وعداً من الله لا يتبدّل، وفيه ردٌّ على منكري البعث حيث قالوا
﴿مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ الدهر﴾ [الجاثية: ٢٤] ﴿إِنَّهُ يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ أي كما ابتدأ الخلق كذلك يعيده ﴿لِيَجْزِيَ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات بالقسط﴾ أي ليجزي المؤمنين بالعدل، ونوفيّهم أجورهم بالجزاء الأوفى ﴿والذين كَفَرُواْ﴾ أي والذين جحدوا بالله وكذبوا رسله ﴿لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ﴾ أي لهم في جهنم شرابٌ من حيمم، بالغ النهاية في الحرارة ﴿وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ﴾ أي ولهم عذاب موجع بسبب كفرهم وإِشراكهم قال البيضاوي: والآية كالتعليل لما سبق فإِنه لما كان المقصود من البدء والإِعادة مجازاة المكلفين على أعمالهم كان مرجع الجميع إِليه لا محالة ﴿هُوَ الذي جَعَلَ الشمس ضِيَآءً﴾ الآية للتنبيه على دلائل القدرة والوحدانية أي هو تعالى بقدرته جعل الشمس مضيئة ساطعة بالنهار كالسراج الوهّاج ﴿والقمر نُوراً﴾ أي وجعل القمر منيراً بالليل وهذا من كمال رحمته بالعباد، ولما كانت الشمس أعظم جرماً خُصَّت بالضياء، لأنه هو الذي له شطوعٌ ولَمعان قال الطبري: المعنى أضاء الشمس وأنار القمر ﴿وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ﴾ أي قدَّر سيره في منازل وهي البروج ﴿لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السنين والحساب﴾ أي لتعلموا أيها الناس حساب الأوقات، فبالشمس تعرف الأيام، وبسير القمر تُعرف الشهور والأعوام ﴿مَا خَلَقَ الله ذلك إِلاَّ بالحق﴾ أي ما خلق تعالى ذلك عبثاً بل لحكمة عظيمة، وفائدة جليلة ﴿يُفَصِّلُ الآيات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ أي يبيّن الآيات الكونيّة ويوضحها لقوم يعلمون قدرة الله، ويتدبرون حكمته قال أبو السعود: أي يعلمون الحكمة في إِبداع الكائنات، فيستدلون بذلك على شئون مبدعها جل وعلا ﴿إِنَّ فِي اختلاف اليل والنهار﴾ أي في تعاقبهما يأتي الليل فيذهب النهار، ويأتي النهار


الصفحة التالية
Icon