فيذهب الليل ﴿وَمَا خَلَقَ الله فِي السماوات والأرض﴾ أي وما أوجد فيهما من أصناف المصنوعات ﴿لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ﴾ أي لآيات عظيمة وبراهين جليلة، على وجود الصانع ووحدته، وكمال علمه وقدرته، لقومٍ يتقون الله ويخافون عذابه ﴿إِنَّ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا﴾ أي لا يتوقعون لقاء الله أصلاً ولا يخطر ببالهم، فقد أعمتهم الشهوات عن التصديق لما بعد الممات ﴿وَرَضُواْ بالحياة الدنيا﴾ أي رضوا بالدنيا عوضاً من الآخرة، وآثروا الخسيس على النفيس ﴿واطمأنوا بِهَا﴾ أي فرحوا بها وسكنوا إِليها ﴿والذين هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ﴾ أي وهم عن الأدلة المنبثّة في صحائف الأكوان غافلون، لا يعتبرون فيها ولا يتفكرون ﴿أولئك مَأْوَاهُمُ النار﴾ أي مثواهم ومقامهم النار ﴿بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾ أي بسبب كفرهم وإِجرامهم، وبعد أن ذكر الله حال الأشقياء أردفه بذكر حال السعداء فقال ﴿إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ﴾ أي يهديهم إِلى طريق الجنة بسبب إِيمانهم ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأنهار فِي جَنَّاتِ النعيم﴾ أي تجري من تحت قصورهم الأنهار أو من تحت أسرَّتهم وهم مقيمون في جنات النعيم ﴿دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللهم﴾ أي دعاؤهم في الجنة سبحانك اللهم وفي الحديث
«يُلهمون التسبيح والتحميد كما تُلهمون النّفس» أي كلامهم في الجنة تسبيح الله ﴿وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ﴾ أي وتحية بعضهم بعضاً سلامٌ عليكم كما تحيِّيهم بذلك الملائكة ﴿وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم﴾ [الرعد: ٢٣ - ٢٤] ﴿وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين﴾ أي وآخر دعائهم أن يقولوا: الحمد لله ربّ العالمين ﴿وَلَوْ يُعَجِّلُ الله لِلنَّاسِ الشر استعجالهم بالخير﴾ قال مجاهد: هو دعءا الرجل على نفسه أو ولده إِذا غضب، اللهم أهلكْه، اللهم لا تبارك فيه قال الطبري: المعنى لو يعجل الله إِجابة دعاء الناس في الشر وفيما عليهم فيه مضرَّة، كاستعجاله لهم في الخير بالإِجابة إِذا دعوه به ﴿لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ﴾ أي لهلكوا وعُجِّل لهم الموت ﴿فَنَذَرُ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا﴾ أي فنترك المكذبين بلقائنا الذين لا يؤمنون بالبعث ﴿فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ أي في تمردهم وعتوهم يتردَّدون تحيراً والمعنى: نترك المجرمين ونمهلهم ونفيض عليهم النعم مع طغيانهم لتلزمهم الحجة ﴿وَإِذَا مَسَّ الإنسان الضر﴾ أي وإِذا أصاب الإِنسان الضرُّ من مرضٍ أو فقراً ونحو ذلك ﴿دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً﴾ أي دعانا في جميع الحالات: مضطجعاً أو قاعداً أو قائماً لكشف ذلك الضُر عنه ﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إلى ضُرٍّ مَّسَّهُ﴾ أي فلما أزلنا ما به من ضرّ استمرَّ على عصيانه، ونسي ما كان فيه من الجَهْد والبلاء أو تناساه، وهو عتابٌ لمن يدعو الله عند الضر، ويغفل عنه عند العافية ﴿كذلك زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ أي كما زُيّن لذلك الإِنسان الدعاء عند الضرِّ والإِعراضُ عند الرخاءِ، كذلك زُيّن للمسرفين المتجاوزين الحد في الإِجرام، ما كانوا يعملون من الإِعراض عن الذكر، ومتابعة الشهوات ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا القرون مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ﴾ أي ولقد أهلكنا الأمم من قبلكم أيها المشركون لما كفروا وأشركوا وتمادَوا في الغيِّ والضلال ﴿وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات﴾ أي جاءوهم بالمعجزات الباهرة التي تدل على صدقهم {وَمَا


الصفحة التالية
Icon