كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ} أي وما آمنوا بما جاءتهم به الرسل، أي أنهم ظلموا وما آمنوا فكان سبب إِهلاكهم شيئان: ظلمهم، وعدم إِيمانهم ﴿كذلك نَجْزِي القوم المجرمين﴾ أي مثل ذلك الجزاء - يعني الإِهلاك - نجزي كل مجرم، وهو وعيدٌ لأهل مكة على تكذيبهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأرض مِن بَعْدِهِم﴾ أي ثم استخلفناكم في الأرض يا أهل مكة من بعد إِهلاك أولئك القرون، التي تسمعون أخبارها وتشاهدون آثارها ﴿لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ أي لننظر أتعملون خيراً أم شراً فنجازيكم على حسب عملكم قال القرطبي: والمعنى: يعاملكم معاملة المختبر إِظهاراً للعدل وقال في التسهيل: معناه ليظهر في الوجود عملكم فتقوم عليكم به الحجة والغرض أن الله تعالى عالمٌ بأعمالهم من قبل ذلك ولكن يختبرهم ليتبيَّن في الوجود ما علمه تعالى أزلاً ﴿وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ﴾ أي وإِذا قرئت على المشركين آيات القرآن المبين، حال كونها واضحات لا لَبْس فيها ولا إِشكال ﴿قَالَ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا﴾ أي قال الذين لا يؤمنون بالبعث والحساب، ولا يرجون الأجر والثواب ﴿ائت بِقُرْآنٍ غَيْرِ هاذآ﴾ أي ائت يا محمد بكتابٍ آخر غير هذا القرآن، ليس فيه ما نكرهه من عيب آلهتنا، وتسفيه أحلامنا، ﴿أَوْ بَدِّلْهُ﴾ بأن تجعل مكان آية عذاب آية رحمة، ومكان سب آلهتنا مدحهم، ومكان الحرام حلالا، وإِنما قالوه على سبيل الاستهزاء والسخرية قال ابن عباس: نزلت في المستهزئين بالقرآن من أهل مكة قالوا يا محمد: ائتنا بقرآن غير هذا فيه ما نسألك ﴿قُلْ مَا يَكُونُ لي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نفسي﴾ أي قل لهم يا محمد ما ينبغي ولا يصح لي أن أغيرّ أو أبدّل شيئاً من قبل نفسي ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَيَّ﴾ أي لا أتّبع إِلا ما يوحيه إِليَّ ربي، فأنا عبد مأمور، ورسولٌ مبلِّغ، أبلغكم رسالة الله ﴿إني أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ أي إِني أخشى إِن خالفت أمره، وبدَّلتُ وحيه، عذاب يومٍ شديد الهَوْل هو يوم القيامة، وهذا كالتعليل لما سبق ﴿قُل لَّوْ شَآءَ الله مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ﴾ أي قل لهم يا محمد لو شاء الله ما تلوتُ هذا القرآن عليكم، وما تلوته إِلا بمشيئته تعالى، لأنه من عنده وما هو من عندي ﴿وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ﴾ أي ولا أعلَمكم به على لساني ﴿فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ﴾ أي فقد مكثتُ بين أظهركم زمنا طويلاً، مدة أربعين سنة من قبل القرآن لا أعلمه أنا ولا أتلوه عليكم ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ أي أفلا تستعملون عقولكم بالتدبر والتفكر لتعلموا أنَّ مثل هذا الكتاب المعجز ليس إِلا من عند الله؟ قال الإِمام الفخر، إِن الكفار شاهدوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من أول عمره إِلى ذلك الوقت، وكانوا عالمين بأحواله، وأنه طالع كتاباً، ولا تتلمذ لأستاذ، ولا تعلَّم من أحد، ثم بعد انقراض أربعين سنة جاءهم بهذا الكتاب العظيم، المشتمل على نفائس علم الأصول، ودقائق علم الأحكام، ولطائف علم الأخلاق، وأسرار قصص الأولين، وعجز عن معارضته العلماء، والفصحاء، والبلغاء، وكلُّ من له عقل سليم يعلم أن مثل هذا لا يكون إِلا على سبيل الوحي والتنزيل ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً﴾ استفهام انكاري بمعنى النفي أي لا أحد أظلم ممن اختلق على الله الكذب والمقصود منه نفي الكذب عن مقامه الشريف صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حيث زعم المشركون أن هذا القرآن من صنع محمد ﴿أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ﴾ أي كذّب بالحق الذي جاءت به الرسل {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ