أي قل لأولئك المكذبين أخبروني إن جاءكم عذاب الله ليلاً أو نهاراً فما نفعكم فيه؟ ﴿مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ المجرمون﴾ استفهام معناه التهويل والتعظيم أي ما أعظم ما يستعجلون به؟ كما يقال لمن يطلب أمراً وخيماً: ماذا تجني على نفسك ﴿أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ﴾ في الكلام حذفٌ تقديره: أتؤخرون إلى أن تؤمنوا بها وإذا وقع العذاب وعاينتموه فما فائدة الإِيمان وما نفعكم فيه، إذا كان الإِيمان لا ينفع حينذاك، قال الطبري: المعنى أهنالك إذا وقع عذاب الله بكم أيها المشركون صدّقتم به في حالٍ لا ينفعكم فيه التصديق ﴿الآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ﴾ أي يقال لكم أيها المجرمون: الآن تؤمنون وقد كنتم قبله تهزءون وتسخرون وتستعجلون نزول العذاب؟ ﴿ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ الخلد﴾ أي ذوقوا العذاب الدائم الذي لا زوال له ولا فناء ﴿هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ﴾ أي هل تُجزون إلا جزاء كفركم وتكذيبكم؟ ﴿وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ﴾ أي ويستخبرونك يا محمد فيقولون: أحقٌ ما وعدتنا به من العذاب والبعث؟ ﴿قُلْ إِي وربي إِنَّهُ لَحَقٌّ﴾ أي قل نعم والله إنه كائن لا شك فيه ﴿وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ أي لستم بمعجزين الله بهربٍ أو امتناع من العذاب بل أنتم في قبضته وسلطانه ﴿وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأرض﴾ أي لو أن لكل نفسٍ كافرةٍ ما في الدنيا جميعاً من خزائنها وأموالها، ومنافعها قاطبة ﴿لاَفْتَدَتْ بِهِ﴾ أي لدفعته فدية لها من عذاب الله ولكنْ هيهات أن يُقبل كما قال تعالى
﴿فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرض ذَهَباً وَلَوِ افتدى بِهِ﴾ [آل عمران: ٩١] ثم قال تعالى مخبراً عن أسفهم وندمهم ﴿وَأَسَرُّواْ الندامة لَمَّا رَأَوُاْ العذاب﴾ أي أخفى هؤلاء الظلمة الندم لما عاينوا العذاب قال الإِمام الجلال: أي أخفاها رؤساؤهم عن الضعفاء الذين أضلوهم مخافة التعبير ﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بالقسط﴾ أي قُضي بين الخلائق بالعدل ﴿وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ أي لا يظلمون من أعمالهم شيئاً، ولا يُعاقبون إلا بجريرتهم ﴿ألا إِنَّ للَّهِ مَا فِي السماوات والأرض﴾ «أَلاَ» كلمة تنبيه للسامع تزاد في أول الكلام أي انتبهوا لما أقول لكم فكل ما في السماوات والأرض ملكٌ لله، لا شيء فيها لأحدٍ سواه، هو الخالق وهو المالك ﴿أَلاَ إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ﴾ أي إن وعده بالبعث والجزاء حقٌ كائن لا محالة ﴿ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ ولكنَّ أكثر الناس لقصور عقولهم، واستيلاء الغفلة عليهم، لا يعلمون ذلك فيقولون ما يقولون ﴿هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ أي هو سبحانه المحيي والمميتُ، وإِليه مرجعكم في الآخرة فيجازيكم بأعمالكم ﴿ياأيها الناس قَدْ جَآءَتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ خطابٌ لجميع البشر أي قد جاءكم هذا القرآن العظيم الذي هو موعظةٌ لكم من خالقكم ﴿وَشِفَآءٌ لِّمَا فِي الصدور﴾ أي يشفي ما فيها من الشك والجهل ﴿وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ أي وهداية من الضلال ورحمة لأهل الإِيمان قال صاحب الكشاف: المعنى قد جاءكم كتابٌ جامعٌ لهذه الفوائد العظيمة من الموعظة، والتنبيه على


الصفحة التالية
Icon