كلام الله تعالى، وادعائهم بأنهم أحباب الله، وأن النارلن تمسَّهم إِلا بضعة أيام قليلة، إلى آخر ما هم عليه من أماني كاذبة ورثوها عن آبائهم وأجدادهم، وقد بدأ تعالى الآيات بتيئيس المسلمين من إِيمانهم لأنهم فطروا على الضلال، وجبلوا على العناد والمكابرة.
اللغَة: ﴿أَفَتَطْمَعُونَ﴾ الطمع: تعلق النفس بشيء مطلوب تعلقاً قوياً، فإِذا اشتد فهو طمع، وإِذا ضعف كان رجاءً ورغبةً ﴿فَرِيقٌ﴾ الفريق: الجماعة وهو اسم جمع لا واحد له من لفظه كالرهط والقوم ﴿يُحَرِّفُونَهُ﴾ التحريف: التبديل والتغيير وأصله من الانحراف عن الشيء ﴿عَقَلُوهُ﴾ عقل الشيء أدركه بعقله والمراد فهموه وعرفوه ﴿أُمِّيُّونَ﴾ جمع أمي وهو الذي لا يحسن القراءة والكتابة، سميَّ بذلك نسبة إِلى الأم، لأنه باقٍ على ما ولدته عليه أمه من عدم المعرفة ﴿أمانيّ﴾ جمع أمنية وهي ما يتمناه الإِنسان ويشتهيه، أو يقدّر في نفسه من مُنى ولذلك تطلق على الكذب قال أعرابي لإِنسان: «أهذا شيء رأيته أم تمنيته» أي اختلقته، وتأتي بمعنى قرأ قال حسان: تمنّى كتاب الله أول ليلة ﴿فَوَيْلٌ﴾ الويل: الهلاك والدماء وقيل: الفضيحة والخزي، وهي كلمة تستعمل في الشر والعذاب قال القاضي: هي نهاية الوعيد والتهديد كقوله ﴿وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ﴾ [المطففين: ١] وقال سيبويه: ويلٌ لمن وقع في الهلكة، وويح لمن أشرف عليها.
سَبَبُ النّزول: ١ - نزلت في الأنصار كانوا حلفاء لليهود وبينهم جوارٌ ورضاعة وكانوا يودون لو أسلموا فأنزل الله تعالى ﴿أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ﴾ الآية.
٢ - وروى مجاهد عن ابن عباس أن اليهود كانوا يقولون: إِن هذه الدنيا سبعة آلاف سنة، وإِنما نُعذب بكل ألف سنة يوماً في النار، وإِنما هي سبعة أيام معدودة فأنزل الله تعالى ﴿لَن تَمَسَّنَا النار إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً﴾.
التفِسير: يخاطب الله تعالى عباده المؤمنين فيقول ﴿أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ﴾ أي أترجون يا معشر المؤمنين أن يسلم اليهود ويدخلوا في دينكم ﴿وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ الله﴾ أي والحال قد كان طائفة من أحبارهم وعلمائهم يتلون كتاب الله ويسمعونه بيناً جلياً ﴿ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ﴾ أي يغيّرون آيات التوراة بالتبديل أو التأويل، من بعد ما فهموه وضبطوه بعقولهم ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ أنهم يرتكبون جريمة أي أنهم يخالفونه على بصيرة لا عن خطأ أو نسيان ﴿وَإِذَا لَقُواْ الذين آمَنُواْ قالوا آمَنَّا﴾ أي إِذا اجتمعوا بأصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال المنافقون من اليهود آمنا بأنكم على الحق، وأن محمداً هو الرسول المبشَّر به ﴿وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ﴾ أي إذا انفرد واختلى بعضهم ببعض ﴿قالوا أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ﴾ أي قالوا عاتبين عليهم أتخبرون أصحاب محمد بما بيَّن الله لكم في التوراة من صفة محمد عليه السلام ﴿لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ﴾ أي لتكون الحجة للمؤمنين عليكم في الآخرة في ترك اتباع الرسول مع العلم بصدقه ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ ؟ أي أفليست لكم عقول تمنعكم من أن تحدثوهم بما يكون لهم في حجة عليكم؟ والقائلون ذلك هم اليهود لمن نافق منهم


الصفحة التالية
Icon