الذي لم يختن ﴿لَّعَنَهُمُ﴾ أصل اللعن في كلام العرب: الطردُ والإِبعاد يقال: ذئب لعين أي مطرود مبعد والمراد: أقصاهم وأبعدهم عن رحمته ﴿يَسْتَفْتِحُونَ﴾ يستنصرون من الاستفتاح وهو طلب الفتح أي النصرة ﴿بِئْسَمَا﴾ أصلها بئس ما أي بئس الذي، وبئس فعل للذم، كما أنّ «نِعْم» للمدح ﴿بَغْياً﴾ البغي: الحسد والظلم، وأصله الفساد من بغى الجرح إِذا فسد قاله الأصمعي ﴿بَآءُو﴾ رجعوا وأكثر ما يستعمل في الشر ﴿مُّهِينٌ﴾ مخزٍ مذل مأخوذ من الهوان بمعنى الذل.
المنَاسَبَة: لا تزال الآيات تتحدث عن بني إِسرائيل، وفي هذه الآيات الكريمة تذكير لهم بضربٍ من النعم التي أمدّهم الله بها ثم قابلوها بالكفر والإِجرام، كعادتهم في مقابلة الإِحسان بالإِساءة، والنعمة بالكفران والجحود.
التفسير: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى الكتاب﴾ أي أعطينا موسى التوراة ﴿وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بالرسل﴾ أي أتبعنا وأرسلنا على أثره الكثير من الرسل ﴿وَآتَيْنَا عِيسَى ابن مَرْيَمَ البينات﴾ أي أعطينا عيسى الآيات البينات والمعجزات الواضحات الدالة على نبوته ﴿وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ القدس﴾ أي قويناه وشددنا أزره بجبريل عليه السلام ﴿أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تهوى أَنْفُسُكُمْ﴾ أي أفكلما جاءكم يا بني إِسرائيل رسول بما لا يوافق هواكم ﴿استكبرتم فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ﴾ أي تكبرتم عن اتباعه فطائفة منهم كذبتموهم، وطائفة قتلتموهم.. ثم أخبر تعالى عن اليهود المعاصرين للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وبيّن ضَلالهم في اقتدائهم بالأسلاف فقال حكاية عنهم ﴿وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ﴾ أي في أكنة لا تفقه ولا تعي ما تقوله يا محمد، والغرض إِقناطه عليه السلام من إِيمانهم، قال تعالى رداً عليهم ﴿بَل لَّعَنَهُمُ الله بِكُفْرِهِمْ﴾ أي طردهم وأبعدهم من رحمته بسبب كفرهم وضلالهم ﴿فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ﴾ أي فقليلٌ من يؤمن منهم، أو يؤمنون إِيماناً قليلاً وهو إِيمانهم ببعض الكتاب وكفرهم بالبعض الآخر ﴿وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ الله مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ﴾ وهو القرآن العظيم الذي أنزل على خاتم المرسلين، مصدقاً لما في التوراة ﴿وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الذين كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ﴾ أي وقد كانوا قبل مجيئه يستنصرون به على أعدائهم ويقولون: اللهم انصرنا بالنبي المبعوث آخر الزمان، الذي نجد نعته في التوراة ﴿فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ﴾ أي فلما بعث محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الذي عرفوه حق المعرفة كفروا برسالته ﴿فَلَعْنَةُ الله عَلَى الكافرين﴾ أي لعنة الله على اليهود الذين كفروا بخاتم المرسلين ﴿بِئْسَمَا اشتروا بِهِ أَنْفُسَهُمْ﴾ أي بئس الشيء التافه الذي باع به هؤلاء اليهود أنفسهم ﴿أَن يَكْفُرُواْ بِمَآ أنَزَلَ الله﴾ أي كفرهم بالقرآن الذي أنزله الله ﴿بَغْياً﴾ أي حسداً وطلباً لما ليس لهم ﴿أَن يُنَزِّلُ الله مِن فَضْلِهِ على مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ أي حسداً منهم لأجل لأن ينزل الله وحياً من فضله على من يشاء ويصطفيه من خلقه ﴿فَبَآءُو بِغَضَبٍ على غَضَبٍ﴾ أي رجعوا بغضب من الله زيادة على سابق غضبه عليهم ﴿وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ أي ولهم عذاب شديد مع الإِهانة والإِذلال لأن كفرهم سببه التكبر والحسد فقوبلوا بالإِهانة والصغار ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ أي آمنوا بما أنزل الله من القرآن وصدّقوه واتبعوه ﴿قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنْزِلَ عَلَيْنَا﴾ أي يكفينا الإِيمان بما أنزل علينا من التوراة {وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَآءَهُ وَهُوَ الحق مُصَدِّقاً لِّمَا


الصفحة التالية
Icon