الساعة لآتِيَةٌ فاصفح الصفح الجميل} أي وإن القيامة لآتيةٌ لا محالة فيُجازى المحسنُ بإحسانه، والمسيء بإساءته، فأعرضْ يا محمد عن هؤلاء السفهاء وعاملهم معاملة الحليم ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الخلاق العليم﴾ أي الخالق لكل شيء، العليمُ بأحوال العباد ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ المثاني﴾ أي ولقد أعطيناك يا محمد سبع آيات هي الفاتحة لأنها تثنّى أي تكرر قراءتها في الصلاة وفي الحديث
«الحمدُ للهِ رب العالمين هي السبعُ المثاني والقرآنُ العظيمُ الذي أوتيتُه» وقيل: هي السور السبع الطوال، والأول أرجح ﴿والقرآن العظيم﴾ أي وآتيناك القرآن العظيم الجامع لكمالات الكتب السماوية ﴿لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َmp;
١٦٤٨ - ; مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ﴾
أي لا تنظر إلى ما متعنا به بعض هؤلاء الكفار، فإن الذي أعطيناك أعظم منها وأشرف وأكرم، وكفى بإِنزال القرآن عليك نعمة ﴿وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾ أي لا تحزن لعدم إيمانهم ﴿واخفض جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ أي تواضعْ لمن آمن بك من المؤمنين وضعفائهم ﴿وَقُلْ إني أَنَا النذير المبين﴾ أي قل لهم يا محمد أنا المنذر من عذاب الله، الواضح البيِّن في الإِنذار لمن عصى أمر الجبار ﴿كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى المقتسمين﴾ الكاف للتشبيه والمعنى أنزلنا عليك القرآن كما أنزلنا على أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى الذين آمنوا ببعض كتابهم وكفروا ببعضه، فانقسموا إلى قسمين ﴿الذين جَعَلُواْ القرآن عِضِينَ﴾ أي جعلوا القرآن أجزاءٌ متفرقة وقالوا فيه أقوالاً مختلفة قال ابن عباس: آمنوا ببعضٍ وكفروا ببعض، وهذه تسلية لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عن صنيع قومه بالقرآن وتكذيبهم له بقولهم سحر، وشعر، وأساطير، بأن غيرهم من الكفرة فعلوا بغيره من الكتب مثل فعل كفار مكة ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ أي فأقسمُ بربك يا محمد لنسألنَّ الخلائق أجميعن عما كانوا يعملون في الدنيا ﴿فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المشركين﴾ أي فاجهر بتبليغ أمر ربك، ولا تلتفت إلى ما يقول المشركون ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ المستهزئين﴾ أي كفيناك شرَّ أعدائك المستهزئين بإهلاكنا إياهم وكانوا خمسة من صناديد قريش ﴿الذين يَجْعَلُونَ مَعَ الله إلها آخَرَ﴾ أي الذين أشركوا مع الله غيره من الأوثان والأصنام ﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ وعيدٌ وتهديد أي سوف يعلمون عاقبة أمرهم في الدارين ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ﴾ أي يضيق صدرك بالاستهزاء والتكذيب ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِّنَ الساجدين﴾ أي فافزع فيما نالك من مكروه إلى التسبيح والصلاة والإِكثار من ذكر الله ﴿واعبد رَبَّكَ حتى يَأْتِيَكَ اليقين﴾ أي اعبد ربك يا محمد حتى يأتيك الموت، سمي يقيناً لأنه متيقن الوقوع والنزول.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة من وجوه البيان والبديع ما يلي:
١ - الإِيجاز بالحذف في ﴿ادخلوها بِسَلامٍ﴾ أي يقال لهم أدخلوها.
٢ - المقابلة اللطيفة في ﴿نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغفور الرحيم﴾ مع الآية بعدها ﴿وَأَنَّ عَذَابِي﴾ فقد قابل بين العذاب والمغفرة وبين الرحمة الواسعة والعذاب الأليم، وهذا من المحسنات البديعية.
٣ - الكناية في ﴿أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآءِ مَقْطُوعٌ﴾ كنَّى به عن عذاب الاستئصال.
٤ - المجاز في ﴿قَدَّرْنَآ إِنَّهَا لَمِنَ الغابرين﴾ أسند الملائكة فعل التقدير إلى أنفسهم مجازاً


الصفحة التالية
Icon