سَبَبُ النّزول: قال ابن عباس: لما نزل قوله تعالى ﴿اقتربت الساعة﴾ [القمر: ١] قال الكفار بعضهم لبعض: إنَّ محمداً يزعم أن القيامة قد اقتربت فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى ننظر، فلما امتدت الأيام قالوا يا محمد: ما نرى شيئاً مما تُخَوِّفنا به فأنزل الله تعالى ﴿أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ... ﴾ الآية.
التفسِير: ﴿أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ أي قرب قيام الساعة فلا تستعجلوا العذاب الذي أوعدكم به محمد، وإنما أتى بصيغة الماضي لتحقق وقوع الأمر وقربه، قال الرازي: لما كان واجب الوقوع لا محالة عبّر عنه بالماضي كما يقال للمستغيث: جاءك الغوثُ فلا تجزع ﴿سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ أي تنزَّه الله عما يصفه به الظالمون، وتقدس عن إشراكهم به غيره من الأنداد والأوثان ﴿يُنَزِّلُ الملائكة بالروح مِنْ أَمْرِهِ﴾ أي يُنزّل الملائكة بالوحي والنبوة بإِرادته وأمره ﴿على مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ أي على الأنبياء والمرسلين، وسمَّى الوحي روحاً لأنه تحيا به القلوب كما تحيا بالأرواح الأبدان ﴿أَنْ أنذروا أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ أَنَاْ فاتقون﴾ أي بأن أنذروا أهل الكفر أنه لا معبود إلا الله فخافوا عذابي وانتقامي، ثم ذكر تعالى البراهين الدالة على وحدانيته وقدرته فقال ﴿خَلَقَ السماوات والأرض بالحق﴾ أي خلقهما بالحق الثابت، والحكمة الفائقة، لا عبثاً ولا جُزافاً ﴿تعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ أي تمجَّد وتقدَّس عن الشريك والنظير ﴿خَلَقَ الإنسان مِن نُّطْفَةٍ﴾ أي خلق هذا الجنس البشري من نطفةٍ مهينة ضعيفة هي المنيُّ ﴿فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ﴾ أي فإِذا به بعد تكامله بشراً مخاصمٌ لخالقه، واضح الخصومة، يكابر ويعاند، وقد خُلق ليكون عبداً لا ضداً قال ابن الجوزي: لقد خُلق من نطفة وهو مع ذلك يخاصم وينكر البعث، أفلا يستدل بأوله على آخره، وبأن من قدر على إيجاده أولاً قادرٌ على إِعادته ثانياً؟ ﴿والأنعام خَلَقَهَا﴾ أي وخلق الأنعام لمصالحكم وهي الإِبل والبقر والغنم ﴿لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ﴾ أي لكم فيها ما تستدفئون به من البرد مما تلبسون وتفترشون من الأصواف والأوبار ﴿وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ أي ولكم فيها منافع عديدة من النسل والدر وركوب الظهر، ومن لحومها تأكلون وهو من أعظم المنافع لكم ﴿وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾ أي ولكم في هذه الأنعام والمواشي زينةٌ وجمالٌ حين رجوعها عشياً من المرعى، وحين غُدوّها صباحاً لترعى، جمال الاستمتاع بمنظرها صحيحةً سمينةً فارهة ﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إلى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأنفس﴾ أي وتحمل أحمالكم الثقيلة وأمتعتكم التي تعجزون عن حملها إلى بلدٍ بعيد لم تكونوا لتصلوا إليه إلا بجهدٍ ومشقة ﴿إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ أي إنَّ ربكم أيها الناس الذي سخَّر لكم هذه الأنعام لعظيمُ الرأفة والرحمة بكم ﴿والخيل والبغال والحمير لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً﴾ أي وخلق الخيل والبغال والحمير للحمل والركوب وهي كذلك زينة وجمال ﴿وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ أي ويخلق في المستقبل ما لا تعلمونه الآن كوسائل النقل الحديث: القاطرات، والسيارات، والطائرات النفاثة وغيرها مما يجدُّ به الزمان وهو من تعليم الله