للإِنسان ﴿وعلى الله قَصْدُ السبيل﴾ أي وعلى الله جل وعلا بيانُ الطريق المستقيم، الموصل لمن يسلكه إلى جنات النعيم ﴿وَمِنْهَا جَآئِرٌ﴾ أي ومن هذه السبيل طريقٌ مائلٌ عن الحق منحرفٌ عنه، لا يوصل سالكه إلى الله وهو طريق الضلال، كاليهودية والنصرانية والمجوسية ﴿وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ أي لو شاء أن يهديكم إلى الإيمان لهداكم جميعاً ولكنه تعالى اقتضت حكمته أن يدع للإِنسان حرية الاختيار
﴿فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف: ٢٩] ليترتب عليه الثواب والعقاب، ولما ذكر تعالى ما أنعم به عليهم من الأنعام، شرع في ذكر سائر النعم العظام وآياته المنبثة في الكائنات فقال ﴿هُوَ الذي أَنْزَلَ مِنَ السماء مَآءً﴾ أي أنزل المطر بقدرته القاهرة من السحاب ﴿لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ﴾ أي أنزله عذباً فراتاً لتشربوه فتسكن حرارة العطش ﴿وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ﴾ أي وأخرج لكم منه شجراً ترعون فيه أنعامكم ﴿يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ الزرع والزيتون والنخيل والأعناب﴾ أي يخرجها من الأرض بهذا الماء الواحد على اختلاف صنوفها وطعومها وألوانها ﴿وَمِن كُلِّ الثمرات﴾ أي ومن كل الفواكه والثمار يخرج لكم أطايب الطعام ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ أي إن في إنزال الماء وإخراج الثمار لدلالة واضحة على قدرة الله ووحدانيته لقومٍ يتدبرون في صنعه فيؤمنون قال أبو حيان: ختم الآية بقوله: ﴿يَتَفَكَّرُونَ﴾ لأن النظر في ذلك يحتاج إلى فضل تأمل، واستعمال فكر، ألا ترى أن الحبة الواحدة إذا وُضعت في الأرض ومرَّ عليها زمن معيَّن لحقها من نداوة الأرض ما تنتفخ به فيُشق أعلاها فتصعد منه شجرة إلى الهواء، وأسفلها يغوص منه في عمق الأرض شجرةٌ أخرى وهي العروق، ثم ينمو الأعلى ويقوى وتخرج الأوراق والأزهار، والأكمام والثمار، المشتملة على أجسامٍ مختلفة الطبائع والألوان والأشكال والمنافع وذلك بتقدير قادرٍ مختار وهو الله تعالى ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اليل والنهار والشمس والقمر﴾ أي ذلّل الليل والنهار يتعاقبان لمنامكم ومعاشكم، والشمس والقمر يدوران لمصالحكم ومنافعكم ﴿والنجوم مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ﴾ أي والنجومُ تجري في فلكها بأمره تعالى لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ أي إن في ذلك الخلق والتسخير لدلائل باهرة عظيمة، لأصحاب العقول السليمة ﴿وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأرض مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ﴾ أي وما خلق لكم في الأرض من الأمور العجيبة، من الحيوانات والنباتات، والمعادن والجمادات، على اختلاف ألوانها وأشكالها، وخواصها ومنافعها ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾ أي لعبرةً لقومٍ يتعظون ﴿وَهُوَ الذي سَخَّرَ البحر﴾ أي وهو تعالى - بقدرته ورحمته - ذلّل لكم البحر المتلاطم الأمواج للركوب فيه والغوص في أعماقه ﴿لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً﴾ أي لتأكلوا من البحر السمك الطريَّ الذي تصطادونه ﴿وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ أي وتستخرجوا منه الجواهر النفيسة كاللؤلؤ والمرجان ﴿وَتَرَى الفلك مَوَاخِرَ فِيهِ﴾ أي وترى السفن


الصفحة التالية
Icon