العظيمة تشق عُباب البحر جاريةً فيه وهي تحمل الأمتعة والأقوات ﴿وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ﴾ أي سخر لكم البحر لتنتفعوا بما ذُكر ولتطلبوا من فضل الله ورزقه سبل معايشكم بالتجارة ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ أي ولتشكروا ربكم على عظيم إنعامه وجليل إفضاله ﴿وألقى فِي الأرض رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ﴾ أي نصب فيها جبالاً ثوابت راسيات لئلا تضطرب بكم وتميل قال أبو السعود: إن الأرض كانت كرةً خفيفة قبل أن تُخلق فيها الجبال، وكان من حقها أن تتحرك كالأفلاك بأدنى سبب فلما خُلقت الجبال توجهت بثقلها نحو المركز فصارت كالأوتاد لها ﴿وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ أي وجعل فيها أنهاراً وطرقاً ومسالك لكي تهتدوا إلى مقاصدكم ﴿وَعَلامَاتٍ وبالنجم هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ أي وعلامات يستدلون بها على الطرق كالجبال والأنهار، وبالنجوم يهتدون ليلاً في البراري والبحار قال ابن عباس: العلامات معالمُ الطرق بالنهار وبالنجم هم يهتدون بالليل ﴿أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ﴾ الاستفهام إنكاري أي أتسوّون بين الخالق لتلك الأشياء العظيمة والنعم الجليلة، وبين من لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً فضلاً عن غيره؟ أتشركون هذا الصنم الحقير مع الخالق الجليل؟ وهو تبكيت للكفرة وإِبطالٌ لعبادتهم الأصنام ﴿أَفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ أي أفلا تتذكرون فتعرفون خطأ ما أنتم فيه من عبادة غير الله؟ وهو توبيخٌ آخر ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَآ﴾ أي إن تعدوا نعم الله الفائضة عليكم لا تضبطوا عددها فضلاً عن أن تطيقوا شكرها ﴿إِنَّ الله لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ أي غفور لما صدر منكم من تقصير رحيم بالعباد حيث ينعم عليهم مع تقصيرهم وعصيانهم ﴿والله يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾ أي يعلم ما تخفونه وما تظهرونه من النوايا والأعمال وسيجازيكم عليها ﴿والذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾ أي والذين يعبدونهم من دون الله كالأوثان والأصنام لا يقدرون على خلق كل شيء أصلاً والحال أنهم مخلوقون صنعهم البشر بأيديهم، فكيف يكونون آلهة تعبد من دون الله؟ ﴿أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ﴾ أي وتلك الأصنام أمواتٌ لا أرواح فيها، لا تسمع ولا تبصر لأنها جمادات لا حياة فيها، فكيف تعبدونها وأنتم أفضل منها لما فيكم من الحياة؟ ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ أي ما تشعر هذه الأصنام متى يبعث عابدوها، وفيه تهكم بالمشركين لأنهم عبدوا جماداً لا يحس ولا يشعر ﴿إلهكم إله وَاحِدٌ﴾ أي إلهكم المستحق للعبادة إله واحدٌ لا شريك له ﴿فالذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ﴾ أي فالذين لا يصدّقون بالبعث والجزاء قلوبهم تنكر وحدانية الله عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ﴾ أي متكبرون متعظمون عن قبول الحق بعدما سطعت دلائله ﴿لاَ جَرَمَ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ أي حقاً إن الله تعالى لا تخفى عليه خافية من أحوالهم يعلم ما يخفون وما يظهرون ﴿إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المستكبرين﴾ أي المتكبرين عن التوحيد والإِيمان ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ﴾ أي وإِذا سئل هؤلاء الجاحدون أيَّ شيء أنزل ربكم على رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ؟ ﴿قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأولين﴾ أي قالوا على سبيل الاستهزاء: ما أنزله ليس إلا خرافات وأباطيل الأمم السابقين ليس بكلام رب العالمين قال المفسرون: كان المشركون يجلسون على مداخل مكة يُنفّرون عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إذا