العاجل، أو ليس في مصير المكذبين قبلهم عبرةٌ وغناء؟ ﴿كَذَلِكَ فَعَلَ الذين مِن قَبْلِهِمْ﴾ أي كذلك صنع من قبلهم من المجرمين حتى حلَّ بهم العذاب ﴿وَمَا ظَلَمَهُمُ الله ولكن كَانُواْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ أي ما ظلمهم الله بتعذيبهم وإهلاكهم ولكنْ ظلموا أنفسهم بالشرك والمعاصي ﴿فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ﴾ أي أصابهم عقوبات كفرهم وجزاء أعمالهم الخبيثة ﴿وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ أي أحاط ونزل بهم جزاء استهزائهم وهو العذاب الأليم في دركات الجحيم ﴿وَقَالَ الذين أَشْرَكُواْ﴾ أي قال أهل الكفر والإشراك وهم كفار قريش ﴿لَوْ شَآءَ الله مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ ولا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ﴾ أي لو شاء الله ما عبدنا الأصنام لا نحن ولا آباؤنا، ولا حرمنا ما حرمنا من البحائر والسوائب وغيرها، قالوا هذا على سبيل الاستهزاء لا على سبيل الاعتقاد، وغرضُهم أن إِشراكهم وتحريمهم لبعض الذبائح والأطعمة واقع بمشيئة الله، فهو راضٍ به وهو حقٌّ وصواب ﴿كذلك فَعَلَ الذين مِن قَبْلِهِمْ﴾ أي مثل هذا التكذيب والاستهزاء فعل من قبلهم من المجرمين، واحتجوا مثل احتجاجهم الباطل، وتناسوا كسبهم لكفرهم ومعاصيهم، وأن كل ذلك كان بمحض اختيارهم بعد أن أنذرتهم رسلهم عذاب النار وغضب الجبار ﴿فَهَلْ عَلَى الرسل إِلاَّ البلاغ المبين﴾ أي ليس على الرسل إلا التبليغ، وأمَّا أمر الهداية والإِيمان فهو إِلى الله جلَّ وعلا ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت﴾ أي أرسلنا الرسل إِلى جميع الخلق بأن اعبدوا الله ووحّدوه، واتركوا كل معبود دون الله كالشيطان والكاهن والصنم، وكل من دعا إلى الضلال ﴿فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى الله﴾ أي فمنهم من أرشده الله إِلى عبادته ودينه فآمن ﴿وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضلالة﴾ أي ومنهم من وجبت له الشقاوة والضلالة فكفر، أعْلمَ تعالى أنه أرسل الرسل لتبليغ الناس دعوة الله فمنهم من استجاب فهداه الله، ومنهم من كفر فأضلَّه الله ﴿فَسِيرُواْ فِي الأرض فانظروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المكذبين﴾ أي سيروا يا معشر قريش في أكناف الأرض ثم انظروا ماذا حلَّ بالأمم المكذبين لعلكم تعتبرون! ﴿إِن تَحْرِصْ على هُدَاهُمْ فَإِنَّ الله لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ﴾ الخطاب للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أي إن تحرص يا محمد على هداية هؤلاء الكفار فاعلم أنه تعالى لا يخلق الهداية جبراً وقسراً فيمن يخلق فيه الضلالة بسوء اختياره ﴿مَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ﴾ أي ليس لهم من ينقذهم من عذابه تعالى ﴿وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ الله مَن يَمُوتُ﴾ أي خلف المشركون جاهدين في أيمانهم مبالغين في تغليظ اليمين بأن الله لا يبعث من يموت، استبعدوا البعث ورأوه أمراً عسيراً بعد البِلى وتفرقَ الأشلاء والذرات، قال تعالى رداً عليهم ﴿بلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً﴾ أي بلى ليبعثنَّهم، وعد بذلك وعداً قاطعاً لا


الصفحة التالية
Icon