وتعقلون لتشكروه على نعمه وتحمدوه على آلائه ﴿أَلَمْ يَرَوْاْ إلى الطير مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السمآء﴾ هذا من الأدلة على قدرة الله تعالى ووحدانيته والمعنى: ألم يشاهدوا الطيور مذلّلات للطيران في ذلك الفضاء الواسع بين السماء والأرض ﴿مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الله﴾ أي ما يمسكهن عن السقوط عند قبض أجنحتهنَّ وبسطها إلا هو سبحانه ﴿إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ أي إنَّ فيما ذُكر لآيات ظاهرة، وعلامات باهرة على وحدانيته تعالى لقوم يصدَّقون بما جاءت به رسل الله ﴿والله جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً﴾ هذا تعداد لنعم الله على العباد أي جعل لكم هذه البيوت من الحجر والمدر لتسكنوا فيها أيام مُقامكم في أوطانكم ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ الأنعام بُيُوتاً﴾ أي وجعل لكم بيوتاً أُخرى وهي الخيام والقُباب المتخذة من الشعر والصوف والوبَر ﴿تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ﴾ أي تستخفون حملها ونقلها في أسفاركم، وهي خفيفةٌ عليكم في أوقات السفر والحضَر ﴿وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَاثاً﴾ أي وجعل لكم من صوف الغنم، ووبر الإِبل، وشعر المعز ما تلبسون وتفرشون به بيوتكم ﴿وَمَتَاعاً إلى حِينٍ﴾ أي تنتفعون وتتمتعون بها إلى حين الموت ﴿والله جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً﴾ أي جعل لكم من الشجر والجبل مواضع تسكنون فيها كالكهوف والحصون قال الرازي: لما كانت بلادُ العرب شديدة الحر، وحاجتهم إلى الظل ودفع الحر شديدة، فلهذا ذكر تعالى هذه المعاني في معرض النعمة العظيمة ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الجبال أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحر﴾ أي جعل لكم الثياب من القطن والصوف والكتان لتحفظكم من الحر والبرد ﴿وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ﴾ أي ودروعاً تشبه الثياب تتقون بها شر أعدائكم في الحرب ﴿كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ﴾ أي مثل ما خلق هذه الأشياء لكم وأنعم بها عليكم فإِنه يُتم نعمة الدنيا والدين عليكم ﴿لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ﴾ أي لتخلصوا للهِ الربوبية، وتعلموا أنه لا يقدر على هذه الإنعامات أحدٌ سواه ﴿فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ المبين﴾ أي فإِن أعرضوا عن الإِيمان ولم يؤمنوا بما جئتهم به يا محمد فلا ضرر عليك لأن وظيفتك التبليغ وقد بلَّغت الرسالة وأديت الأمانة ﴿يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ الله ثُمَّ يُنكِرُونَهَا﴾ أي يعرف هؤلاء المشركون نِعَم الله التي أنعم بها عليهم، ويعترفون بأنها من عند الله ثم ينكرونها بعبادتهم غير المنعم وقال السُّدي: نعمةُ الله هي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عرفوا نبوته، ثم جحدوها وكذّبوه ﴿وَأَكْثَرُهُمُ الكافرون﴾ أي أكثرهم يموتون كفاراً وفيه إشارة إلى أن بعضهم يهتدي للإسلام وأما أكثرهم فمصرّون على الكفر والضلال ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً﴾ أي ويوم القيامة نحشر الخلائق للحساب ونبعث في كل أمة نبيَّها يشهد عليها بالإِيمان والكفر ﴿ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ أي لا يُؤذن للذين كفروا في الاعتذار لأنهم يعلمون بطلانه وكذبه ﴿وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾ أي لا يُطلب منهم أن يسترضوا ربَّهم بقولٍ أو عمل، فقد فات أوان العتاب والاسترضاء، وجاء وقت الحساب والعقاب قال القرطبي: العُتبى هي رجوع المعتوب عليه إلى ما يرضي العاتب، وأصل الكلمة من العتب وهي الموجدة فإذا وجد


الصفحة التالية
Icon