عليه يقال: عَتَب، وإذا رجع إلى مسرَّتك فقد أعتب ﴿وَإِذَا رَأى الذين ظَلَمُواْ العذاب فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ﴾ أي وإِذا رأى المشركون عذاب جهنم فلا يُفتَّر عنهم ساعة واحدة ﴿وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ﴾ أي لا يُؤخرون ولا يُمهلون ﴿وَإِذَا رَأى الذين أَشْرَكُواْ شُرَكَآءَهُمْ﴾ أي وإذا أبصر المشركون شركاءهم الذين كانوا يعبدونهم في الدنيا ويزعمون أنهم شركاء الله في الألوهية ﴿قَالُواْ رَبَّنَا هؤلاءآء شُرَكَآؤُنَا الذين كُنَّا نَدْعُوْا مِن دُونِكَ﴾ أي هؤلاء الذين عبدناهم من دونك قال البيضاوي: وهذا اعترافٌ بأنهم كانوا مخطئين في ذلك والتماس لتخفيف العذاب ﴿فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ القول إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ أي أجابوهم بالتكذيب فيما قالوا في تقرير وتوكيد، وذلك مما يوجب زيادة الغم والحسرة في قلوبهم ﴿وَأَلْقَوْاْ إلى الله يَوْمَئِذٍ السلم﴾ أي استسلم أولئك الظالمون لحكم الله تعالى بعد الإباء والاستكبار في الدنيا ﴿وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾ أي بطل ما كانوا يؤملون من أن آلهتهم تشفع لهم عند الله، ثم أخبر تعالى عن مآلهم بعد أن آخبر عن حالهم فقال ﴿الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله﴾ أي كفروا بالله ومنعوا الناس عن الدخول في دين الإِسلام ﴿زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ العذاب﴾ أي زدناهم عذاباً في جهنم فوق عذاب الكفر، لأنهم ارتكبوا جريمة صدّ الناس عن الهدى فوق جريمة الكفر، فضوعف لهم العذاب جزاءً وفاقاً ﴿بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ﴾ أي بسبب إفسادهم في الدنيا بالكفر والمعصية ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِّنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ أي اذكر للناس ذلك اليوم وهوْله حين نبعث في كل أمةٍ نبيَّها ليشهد علينا ﴿وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً على هؤلاءآء﴾ أي وجئنا بك يا محمد شهيداً على أمتك ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكتاب تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾ أي ونزَّلنا عليك القرآن المنير بياناً شافياً بليغاً لكل ما يحتاج الناس إليه من أمور الدين فلا حجة لهم ولا معذرة قال ابن مسعود: قد بُيّن لنا في هذا القرآن كلُّ علمٍ، وكل شيء ﴿وَهُدًى وَرَحْمَةً وبشرى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ أي هداية للقلوب، ورحمة للعباد، وبشارةً للمسلمين المهتدين ﴿إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل والإحسان﴾ أي يأمر بمكارم الأخلاق بالعدل بين الناس، والإِحسان إلى جميع الخلق ﴿وَإِيتَآءِ ذِي القربى﴾ أي مواساة الأقرباء، وخصَّه بالذكر اهتماماً به ﴿وينهى عَنِ الفحشاء والمنكر والبغي﴾ أي ينهى عن كل قبيح من قولٍ، أو فعلٍ، أو عملٍ قال ابن مسعود: هذه أجمعُ آيةٍ في القرآن لخيرٍ يُمتثل، ولشرٍ يُجتنب والفحشاء كل ما تناهى قبحه كالزنى والشرك، والمنكر كل ما تنكره الفطرة، والبغي هو الظلم وتجاوز الحق والعدل ﴿يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ أي يؤدبكم بما شرع من الأمر والنهي لتتعظوا بكلام الله.
البَلاَغة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من وجوه البيان والبديع ما يلي:
١ - الاستعارة التمثيلية في ﴿وَضَرَبَ الله مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَآ أَبْكَمُ﴾ الآية تمثيلٌ للوثن بالأبكم الذي لا ينتفع منه بشيء أصلاً، مع القادر السميع البصير وشتان بين الرب والصنم.
٢ - التشبيه المرسل المجمل في ﴿كَلَمْحِ البصر﴾.
٣ - الطباق بين ﴿سِرّاً وَجَهْراً﴾ وبين ﴿يَعْرِفُونَ... يُنكِرُونَ﴾ وبين ﴿ظَعْنِكُمْ... إِقَامَتِكُمْ﴾.
٤ -