نصره على خصمه فليكن عادلاً في قصاصه ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم إِلاَّ بالتي هِيَ أَحْسَنُ﴾ أي لا تتصرفوا في مال اليتيم إلا بالطريقة التي هي أحسن وهي حفظه واستثماره ﴿حتى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ أي حتى يبلغ اليتيم سن الرشد ويحسن التصرف في ماله ﴿وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ العهد كَانَ مَسْؤُولاً﴾ أي وفّوا بالعهود سواءً كانت مع الله أو مع الناس لأنكم تُسألون عنها يوم القيامة ﴿وَأَوْفُوا الكيل إِذا كِلْتُمْ﴾ أي أتموا الكيل إذا كلتم لغيركم من غير تطفيفٍ ولا بَخْس ﴿وَزِنُواْ بالقسطاس المستقيم﴾ أي زنوا بالميزان العدل السويّ بلا احتيالٍ ولا خديعة ﴿ذلك خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ أي وفاء الكيل وإقامة الوزن خيرٌ في الدنيا وأحسن مآلاً في الآخرة ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ أي لا تتَّبعْ ما لا تعلم ولا يَعْنيك بل تثبَّتْ من كل خبر، قال قتادة: لا تقل رأيتُ ولم تر، وسمعتُ ولم تسمع، وعلمتُ ولم تعلم، فإن الله تعالى سائلك عن ذلك كله ﴿إِنَّ السمع والبصر والفؤاد كُلُّ أولئك كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾ أي إن الإنسان يُسأل يوم القيامة عن حواسه: عن سمعه، وبصره، وقلبه وعما اكتسبته جوارحه ﴿وَلاَ تَمْشِ فِي الأرض مَرَحاً﴾ أي لا تمش في الأرض مختالاً مشية المعجب المتكبر ﴿إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأرض وَلَن تَبْلُغَ الجبال طُولاً﴾ هذا تعليل للنهي عن التكبر والمعنى أنك أيها الإِنسان ضئيل هزيل لا يليق بك التكبر؟ كيف تتكبر على الأرض ولن تجعل فيها خرقاً أو شقاً؟ وكيف تتطاول وتتعظَّمْ على الجبال ولن تبلغها طولاً؟ فأنت أحقر وأضعف من كل واحدٍ من الجماديْن فكيف تتكبر وتتعالى وتختال وأنت أضعف من الأرض والجبال؟ وفي هذا تهكم وتقريع للمتكبرين ﴿كُلُّ ذلك كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً﴾ أي كل ذلك المذكور الذي نهى الله عنه كان عمله قبيحاً ومحرماً عند الله تعالى ﴿ذَلِكَ مِمَّآ أوحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الحكمة﴾ أي ذلك الذي تقدم من الآداب والقصص والأحكام بعضُ الذي أوحاه إليك ربك يا محمد من المواعظ البليغة، والحِكَم الفريدة ﴿وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ الله إلها آخَرَ فتلقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً﴾ أي لا تشرك مع الله غيره من وثنٍ أو بشر فتلقى في جهنم ملوماً تلوم نفسك ويلومك اللهُ والخلق مطروداً مبعداً من كل خير قال الصاوي: ختم به الأحكام كما ابتدأها إشارةً إلى أن التوحيد مبدأ الأمور ومنتهاها، وهو رأس الأشياء وأساسُها، والأعمالُ بدونه باطلةٌ لا تفيد شيئاً ﴿أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بالبنين واتخذ مِنَ الملائكة إِنَاثاً﴾ خطابٌ على وجه التوبيخ للعرب الذين قالوا إن الملائكة بنات الله والمعنى أفخصكم ربكم وأخلصكم بالذكور واختار لنفسه - على زعمكم - البنات؟ كيف يجعل لكم الأعلى من النسل ويختار لنفسه الأدنى! ﴿إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً﴾ أي إنكم لتقولون قولاً عظيماً في شناعته وبشاعته حيث تنسبون إليه البنات وتجعلون لله ما تكرهون ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هذا القرآن لِيَذَّكَّرُواْ﴾ أي ولقد بيّنا للناس في هذا القرآن العظيم الأمثال والمواعظ، والوعد والوعيد، ليتذكروا بما فيه من الحجج النيِّرة والبراهين الساطعة، فينزجروا عما هم فيه من الشرك والضلال ﴿وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً﴾ أي وما يزيدهم هذا البيان والتذكير إلا تباعداً عن الحق، وغفلةً عن النظر والاعتبار ﴿قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إلى ذِي العرش سَبِيلاً﴾ أي لو فرضنا أن مع الله آلهة أخرى كما يزعم هؤلاء المشركون إذاً لطلبوا طريقاً إلى مغالبة ذي العزة


الصفحة التالية
Icon