جلَّ وعلا أعلمُ بعباده بأحوالهم ومقاديرهم فيخص بالنبوة من شاء من خلقه، وهو أعلم بالسعداء والأشقياء، والآية ردٌّ على المشركين حيث استبعدوا النبوة على رسول الله وقالوا: كيف يكون يتيم أبي طالب نبياً؟ وكيف يكون هؤلاء الفقراء الضعفاء أصحابه دون الأكابر والرؤساء؟ ﴿وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النبيين على بَعْضٍ﴾ أي فضلنا بعض الأنبياء على بعض حسب علمنا وحكمتنا وخصصناهم بمزايا فريدة، فاصطفينا إبراهيم بالخُلَّة، وموسى بالتكليم، وسليمان بالمُلْك العظيم، ومحمداً بالإِسراء والمعراج وجعلناه سيّد الأولين والآخرين، وكلُّ ذلك فعل الحكيم العليم الذي لا يصدر شيءٌ إلا عن حكمته ﴿وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً﴾ أي وأنزلنا الزبور على داود المشتمل على الحكمةِ وفصلِ الخطاب ﴿قُلِ ادعوا الذين زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ﴾ أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين أدعوا الذين زعمتم أنهم آلهة من دونه تعالى قال الحسن: يعني الملائكة وعيسى وعزيراً فقد كانوا يقولون إنهم يشفعون لنا عند الله ﴿فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضر عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً﴾ أي فلا يستطيعون رفع البلاء عنكم ولا تحويله إلى غيركم ﴿أولئك الذين يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبِّهِمُ الوسيلة أَيُّهُمْ أَقْرَبُ﴾ أي أولئك الآلهة الذين يدعونهم من دون الله هم أنفسهم يبتغون القرب إلى الله، ويتوسلون إليه بالطاعة والعبادة، فكيف تعبدونهم معه؟ ﴿وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ﴾ أي يرجون بعبادتهم رحمته تعالى ويخافون عقابه ويتسابقون إلى رضاه ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً﴾ أي عذابه تعالى شديد ينبغي أن يُحذر منه ويخاف من وقوعه وحصوله ﴿وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ القيامة أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً﴾ أي ما من قريةٍ من القرى الكافرة التي عصتْ أمر الله وكذَّبتْ رسله إلا وسيهلكها الله إما بالاستئصال الكلي أو بالعذاب الشديد لأهلها ﴿كَانَ ذلك فِي الكتاب مَسْطُوراً﴾ أي كان ذلك حكماً مسطراً في اللوح المحفوظ لا يتغيَّر ﴿وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بالآيات إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأولون﴾ قال المفسرون: اقترح المشركون على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ معجزاتٍ عظيمة منها أن يقلب لهم الصفا ذهباً، وأن يزيح عنهم الجبال فأخبره تعالى أنه إن أجابهم إلى ما طلبوا ثم لم يؤمنوا استحقوا عذاب الاستئصال، وقد اقتضَت حكمته تعالى إمهالهم لأنه علم أنَّ منهم من يؤمن وأن من أولادهم من يؤمن فلهذا السبب ما أجابهم إلى ما طلبوا أو المعنى ما منعنا من إرسال المعجزات والخوارق التي اقترحها قومك إلاّ تكذيبُ مَنْ سبقهم من الأمم حيث اقترحوا ثم كذبوا فأهلكهم الله ودمَّرهم ﴿وَآتَيْنَا ثَمُودَ الناقة مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا﴾ أي وأعطينا قوم صالح الناقة آيةً بينة ومعجزةً ساطعة واضحة فكفروا بها وجحدوا بعد أن سألوها فأهلكهم الله ﴿وَمَا نُرْسِلُ بالآيات إِلاَّ تَخْوِيفاً﴾ أي وما نرسل بالآيات الكونية كالزلازل والرعد والخسوف والكسوف إلا تخويفاً للعباد من المعاصي قال قتادة: إن الله تعالى يخوّف الناس بما شاء من الآيات لعلهم يعتبرون ويرجعون ﴿وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بالناس﴾ أي واذكر يا محمد حين أخبرناك أن الله أحاط بالناس علماً في الماضي والحاضر والمستقبل فهو تعالى لا يخفى عليه شيءٌ من أحوالهم وقد علم أنهم لن يؤمنوا ولو جئتهم بما طلبوا من الآيات والمعجزات ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرؤيا التي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ﴾ أي وما جعلنا الرؤية التي أريناكها عياناً


الصفحة التالية
Icon